Al-Wajiz fi Fiqh al-Imam al-Shafi'i
الوجيز في فقه الإمام الشافعي
Tifaftire
علي معوض وعادل عبد الموجود
Daabacaha
شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1418 AH
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
وقبل الكلام عن جهود الغَزَّالِيِّ وإسهاماتِهِ في علْمِ الكلامِ، نتكلّم عن هذا العلْمِ بِشَيْءٍ من الإيجاز:
عِلْمُ الكلامِ أوْ عِلْمُ التوحيد مِنْ أَشْرَفِ المباحِثِ الَّتي يجبُ أن يهتمَّ بها الإنسانُ؛ لأنه المِحْوَرُ الوحيدُ الذي تدُورُ حوله النجاةُ من أهْوالِ يومِ القِيَامَةِ، والوسيلَةُ العظْمَى إلَى نيل الدرجَاتِ، والفوز بالسَّعَادَة الأبديَّة في الدنْيَا والآخرَةِ. ولهذا السَّبَب عَظُمَتِ العنايةُ به، وكَثُرَ الثناءُ والتنبيه علَيْه في كثير من الآيات القرآنيَّة.
يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾، وقد بَيَّن معه الدلائلَ والبَيِّناتِ العظيمة؛ حيثُ يقولُ: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ، وَمَا أَنْزَلَ الله مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
أي: أنها علاماتٌ علَى وَحْدَانِيَّتِهِ - عزّ وجلّ - وتفرُّدِه. ثم شنَّع وأنكر على من أشركُوا به، فقال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّه أَنْدَاداً﴾، أيْ: يشركُونَ رغْمَ وضوحِ هذه العلاماتِ القاطِعَةِ، والبيِّناتِ الظاهِرَةِ.
ومن المعلوم أنَّ في تقريرٍ عظيمٍ وِزْرِ الشِّرْكِ - توضيحاً لمزيدٍ شَرَفِ التوحيد، ورفعاً لشأنه.
ويبحثُ علْمُ التوحيد، أو علْمُ الكلامِ عن الله - عزَّ وجَلَّ - وعن الرُّسُل - صلواتُ الله وسَلَامُه عَلَيْهم - وذلك مِنْ حيثُ ما يجبُ أن يثبُتَ لهَما من صفاتٍ، أو يجوزَ، أو يستحيلَ.
أما موضوعُ علْمِ الكَلَامِ، فقيلَ: ذاتُ اللهِ ورسُلُهُ.
وقيل المعلومُ مِنْ حيثُ يتعلَّق به إثباتُ العقائدِ.
وقيل: هو الموجودُ.
ويختلفُ علْمُ الكَلَامِ عن عِلْمِ الفقْهِ، وعلْمٍ أصولِ الفقْهِ، في وجوهٍ كثيرةٍ منها:
أنَّ مسائِلَ علْمِ الكلامِ تتكوَّن مسائلُهُ من موضوعِ الفَنِّ، ومن محمولِهِ، الذي هو حكْمٌ عَقْلِيٌّ، مثلُ: اللهُ تَجِبُ له الوَحْدَةُ، وَيجوزُ عَلَيْهِ فَعْلُ المُمْكِنِ، ويستحيلُ في حقِّهِ الوَلَدُ، وتُسَمَّى هذه المسائلُ اعتقاديَّة، وذلك لأن الغَرَضَ منها هو اعتقادُهَا اعتقاداً جازِماً؛ بحيثُ لا يتطرّق إليها الشَّكُّ.
أما مسائل علْمِ الفقْهِ، فهي تتكوَّن من موضوعِ الفَنّ الذي هو عملٌ من الأعمال، سواءٌ أكانَتْ بدنيَّةً، أم قلبيَّة، ومحمولٍ هو حكْمٌ شرعيٌّ، وتُسمّىَ هذه الأحكامُ عمليَّةً، لأنها متعلِّقَةٌ بعَمَل؛ مثلُ: الصَّلاَةُ واجبٌ، والنيَّةٌ في الوضوءِ واجبةٌ، فكلُّ مسائل علْمِ الفقْهِ موضوعُهَا عَمَلٌ.
أما مسائلُ عِلْمِ الأصُول فهيَ مركّبة من دليلِ إجماليٍّ، ومن حالِ ذلكَ الدَّليلِ؛ مثلُ: الكِتَابُ حُجَّةٌ، والأَمْرُ للوجوبُ.
45