القول فى الدماغ ومصالحه
أبدأ بالعناية بإصلاح الأمور الحافظة للدماغ أولا، لأنه مقدم فى الشرف، والأفعال الحيوانية والإنسانية. أما فعله النافع العام لسائر الحيوان، فهو الحس وحركة الانتقال. ولولا ما يثبت من الدماغ من الأعصاب التى ترد فيها القوى الحساسة والمحركة إلى الحواس والأعضاء المتحركة، لما أحس الحيوان، ولا انتقل من موضع إلى موضع.
وأما فعل الدماغ النافع للإنسان خاصة مع تلك الأفعال، فهو أن به يتم له التمييز والحفظ والذكر والتخيل. وليس هذه الأفعال تامة كاملة، إلا للإنسان الذى هو النوع التام الكامل الذى خصه الله تبارك وتعالى بأعدل الأمزجة بإضافته إلى سائر أنواع الحيوان. فلذلك قيل إن مزاج دماغه أعدل من سائر أدمغة الحيوانات. ولذلك أيضا قيل أنه صار محلا لقوى النفس الناطقة الإلهية الشريفة التى خص بها نوع الإنسان، فصار نوعا شريفا، يعلم بها العلوم، ويستخرج بها دقيق المهن، ومحاسن الصنائع.
وإذا كان هذا العضو، هذه أصول منافعه وجمل أفعاله، فواجب على كل عاقل أن يعنى بحفظه، لأنه للجسم ولسائر أعضائه بمنزلة ما الملك عليه من التدبير والاهتمام بمصالح سائر من فى ملكه ومدينته. وكما أن الملك، إن أغفل تمييزه، وقل اهتمامه بأمر خواصه وعوامه، فسد حالهم وحاله، كذلك الدماغ، إن تغير مزاجه، أو ساءت حاله، وفسد تمييزه بمرض من الأمراض، اضطرب سائر الجسم، وفسدت حالاته. ولا يقدر على حفظ الدماغ، إلا من عرف مزاجه وطبعه. وكذلك يجرى الأمر فى أمر حفظ سائر الأعضاء.
فعليك، أيها الطبيب، أن تعنى بعلم مزاج الإنسان، وتميزه من أمزجة سائر الممتزجات، ثم تعنى أيضا بتعرف الأمزجة الخاصة بشخص شخص، وكم أصنافها وخواصها وعلاماتها، ثم تعرف ما يختص به عضو عضو من أعضاء البدن من تلك الأصناف، ليمكنك أن تصيب فى حفظها على حال صحتها، وتكتسب لها الصحة، عند مرضها.
Bogga 22