فقد بان إذا مما قلناه أن الطبيب يلزمه العلم بما يورده إلى البدن بنوعه، وبسائر حالاته وإصلاحاته، وبالحالات التى للطريق التى يرد فيها، وبإصلاحاتها، كالذى ذكرناه فيما يبرز من البدن. وقد بين القدماء من الأطباء أن الغذاء، إذا ورد إلى المعدة، فإنه ينطبخ فيها طبخا أول، فإذا جذبت الكبد إليها صفوته بالعروق المسماة الماساريقى وتفسيرها المصافى، فإن الثفل الذى يبقى يترك فى الأمعاء ويجتمع فى المعاء الأعور، ثم يبرز بآخره. وإن الصافى النافذ إلى الكبد ينطبخ أيضا فيها طبخا ثانيا، وبعد إنفاذها إلى الأعضاء ما يصلح لكل واحد منها، تبقى منه فضلات تنفذ إلى الكلى، ثم إلى المثانة، ثم تبرز بالبول. وما يرد إلى عضو عضو ينطبخ أيضا طبخا ثالثا فى ذلك العضو، قبل أن يتشبه به، ثم يلصق بالعضو ما شابهه، وما لم يشابهه، برز عنه بالعروق والتحليل الخفى عن الحس.
وإذا كان ذلك كما قلنا، فالواجب على الطبيب أن يفتقد ما يخرج ويبرز بنوعه وكميته وكيفيته ووقته، وأن يعين الطبع على بروز ما يبرز بالرياضة والدلك والدهن. ولكل واحد مما ذكرناه أنواع مختلفة تفعل أفعالا مختلفة، يصلح كل صنف منها لبدن من الأبدان، وفى زمان ومكان، وبحسب حال ليس هو للأبدان الأخر. فاجتهد، أيها الطبيب، فى معرفة ذلك واقتن علم أصول ذلك من الكتاب الذى ألفه معلمنا جالينوس فى تدبير الأصحاء وهو ست مقالات!
وأيضا مما ينبغى أن نذكره قبل ذكر التدابير المصلحة للأعضاء، وواجب على الطبيب علمه، هو أن الأعضاء على ضربين، منها ظاهرة للحس كالعينين واليدين والرجلين، ومنها باطنة كالمعدة والرئة والكبد. وأيضا من الأعضاء أعضاء رئيسية، هى أربعة: الدماغ والقلب والكبد والأنثيان. ويجب أن لا يهمل تفقد صنف صنف منها، ولكن تكون العناية بتفقد الباطنة منها أوكد، لاستتارها على الحس.
فلنأخذ الآن فى ذكرها، ونذكر تدابيرها ومصالحها التى لا يسع الطبيب الجهل بها، لا فى نفسه، ولا فى غيره. ولنبدأ منها بالأشرف، ثم نتبع ذلك بالقول فى عضو عضو على ترتيب، بعون الله وتوفيقه.
Bogga 21