لهذا نرى بعضهم - مع كثرة تحملهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - لا يكثر من الرواية آنذاك، وكانوا يتورعون من الرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكثيرا ما كان بعضهم تغرورق عيونهم بالدموع عندما يقولون: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، وكثيرا ما كانوا يقولون بعد الحديث (أو كما قال)، قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: «أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما منهم أحد يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه إياه ولا يستفتى عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه إياه» وفي رواية: «يسأل أحدهم المسألة فيردها هذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول» (1).
هكذا تشدد الصحابة في الحديث، وأمسك بعضهم عن روايته كراهية التحريف، أو الزيادة والنقصان في الرواية عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لأن كثرة الرواية كانت في نظر كثير منهم مظنة الوقوع في الخطأ، والكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد نهى رسول الله عن الكذب عليه، وعن رواية ما يرى أنه كذب، من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» وفي رواية: «من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار» وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين» (2).
وكان الصحابة يخشون أن يقعوا في الكذب عامة، فكيف يكذبون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ..
وفي هذا يقول الإمام علي - رضي الله عنه -: «إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه ... » (3).
وقد طبع جميع الصحابة هذا المنهج، حرصا منهم على حفظ القرآن والسنة، ومخافة أن يشتغل الناس برواية الحديث عن القرآن الكريم، وهو
Bogga 42