دستور الأمة، فأرادوا أن يحفظ المسلمون القرآن جيدا، ويعتنوا بالحديث الشريف الذي لم يكن قد دون كله في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كالقرآن الكريم، فنهجوا منهج التثبت العلمي ولم يكثروا من الرواية مخافة الوقوع في الخطأ، وقد تشدد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في تطبيق هذا المنهج، وعرف إتقان بعض الصحابة وحفظهم الجيد فسمح لهم بالتحديث.
ويجب ألا يفهم من هذا أن الصحابة امتنعوا عن رواية الحديث، أو عن تبليغه، إنما أبوا أن يكثروا من الرواية عند عدم الحاجة، ومفهوم أنه لا يكون إكثار إلا عند عدم الحاجة إلى الإكثار، فكانوا جميعا يتثبتون في الحديث، ويتأنون في قبول الأخبار وأدائها، وكانوا لا يحدثون بشيء إلا وهم واثقون من صحة ما يروون، وقد حرصوا على المحافظة على الحديث بكل وسيلة تفضي إلى ذلك، فاتبعوا منهجا سليما يمنع الشوائب من أن تدخل السنة النبوية فتفسدها. وقد اهتموا اهتماما كبيرا بالسنة النبوية ونشرها، وإن الأخبار التي تروى عنهم في هذا الشأن كثيرة جدا، فكان يسأل بعضهم بعضا عن الحديث ويرحلون من أجله، قال ابن عباس: «إنه كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتيه، وهو قائل (1)، فأتوسد ردائي على بابه، تسفي الريح علي من التراب، فيخرج فيقول: يا ابن عم رسول الله، ما جاء بك، ألا أرسلت إلي فآتيك، فأقول: أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث ... » (2).
وروى بعض الصحابة عن بعض ولم يكتفوا بدراسة الأحاديث فيما بينم، بل حثوا على طلبه وحفظه وحضوا التابعين على مجالسة أهل العلم والأخذ عنهم، ولم يتركوا وسيلة لذلك إلا أفادوا منها. من هذا ما روي عن عمر - رضي الله عنه - قال: «تفقهوا قبل أن تسودوا» (3) وقال: «تعلموا الفرائض والسنة كما تتعلمون القرآن» (4).
Bogga 43