إن السنة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت محفوظة عند الصحابة جنبا إلى جنب مع القرآن الكريم، وإن كان نصيب كل صحابي منها يختلف عن نصيب الآخر، فمنهم المكثر من حفظها، ومنهم المقل، ومنهم المتوسط في ذلك، ومن ثم نستطيع تأكيد أنهم قد أحاطوا بالسنة، وتكلفوا بنقلها إلى التابعين الذين نقلوها إلى من بعدهم طبقا لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: «تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن يسمع منكم» (1).
وقد انتشرت السنة في عهده - صلى الله عليه وسلم -، بما كان له من جد ونشاط في تبليغه، وبواسطة أصحابه، ولا ننس أثر أمهات المؤمنين في نشر السنة بين النساء، وأثر بعوثه وولاته ورسله، وما كان لغزوة الفتح من أثر بعيد في نشر بعض السنن، ثم ما كان لحجة الوداع من أثر عظيم وبعيد في نشر كثير من الأحكام والسنن، كما انتشرت السنة بواسطة الوفود الكثيرة التي قدمت بعد الفتح الأعظم وحجة الوداع. كل تلك العوامل كفيلة بنشر السنة وتبليغها المسلمين في مختلف أرجاء الدولة الإسلامية آنذاك (2) ولم ينتقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن انتشر الإسلام في الجزيرة العربية كلها، وساد ربوعها، وملأ القرآن والسنة صدور أهلها، مصداقا لقوله - عز وجل -: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (3).
وبعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - حرص الصحابة والتابعون على الاقتداء بالرسول والتمسك بسنته، وقوفا عند وصيته - عليه الصلاة والسلام -: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي» واحتاطوا في رواية الحديث، وتتبعوا آثار الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأبوا أن يخالفوها متى ثبتت عندهم، كما أبوا أن ينحرفوا عن شيء، فارقهم عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واتبعوا كل سبيل يحفظ السنة المطهرة من الخطأ والتحريف، فآثروا الاعتدال في الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتشدد عمر في هذا خشية الخطأ،
Bogga 41