Князья выразительности
أمراء البيان
[88_2]
وشهد له الجاحظ في البيان والتبيين بالبلاغة، ونقل عنه غير مرة. وقال الأصمعي انه قرأ آداب ابن المقفع فلم ير فيها لحنا إلا في موضع واحد وهو قوله: العلم أكبر من أن يحاط بكله فخذوا البعض. أي أنه أدخل الألف واللام على البعض، وكان المتقدمون من أهل العلم ينكرون إدخالها على كل وبعض.
ولا نطيل بنقل ما قاله أعيان البيان في بلاغة ابن المقفع، فإن كتابته تدل على نفسها، ولم يعرف لمتقدم ولا لمتأخر أن نقل إلى اللسان العربي شيئا في الأدب والعلم، لا تحس فيه أثر اللغة المنقول عنها إلا ابن المقفع. وكانت الترجمة غالبة عليه في أول حياته، فلما استوت أدواته أنشأ ينشئ رأسا، فبذ البلغاء في الناحيتين: في الترجمة والتأليف. واختار أن يترجم لأول نشأته ما ينقص هذه اللغة التي أحبها، وكان ذلك السبب في خلوده، والإعجاب به في الطورين؛ كان يعتقد أن الحضارة العربية لا تتفوق إلا إذا أدمجت فيها ما عملت فيه عقول الأمم قبلها، ويرى أن الجديد صنو القديم، يتكافآن ويتساندان.
سر تأثير ابن المقفع في مختلف العصور سلاسته، نصح باتباع طريقته فيما قاله لأحد الكتاب: إياك والتتبع لوحشي الكلام، طمعا في نيل البلاغته، فإن ذلك هو العي الأكبر. وقال لآخر: عليك بما سهل من الألفاظ مع التجنب لألفاظ السفلة. وقال: البلاغة إذا سمعها الجاهل ظن أنه يحسن مثلها. وقال: إذا أعطيت كل مقام حقه، وقمت بالذي يجب من سياسة ذلك المقام، وأرضيت من يعرف حقوق الكلام، فلا تهتم لما فاتك من رضا الحاسد والعدو، فإنهما لا يرضيهما شيء، وأما الجاهل فلست منه وليس منك، ورضا جميع الناس شيء لا تناله، وقد كان يقال: رضاء الناس شيء لا ينال. وقال: ان خير الأدب ما حصل ثمره، وبان عليك أثره. وسئل ما البلاغة؟ فقال: اسم لمعان تجري في وجوه كثيرة: فمنها ما يكون في السكوت، ومنها ما يكون في الاستماع، ومنها ما يكون في الإشارة، ومنها ما
Страница 88