Князья выразительности
أمراء البيان
[89_2]
كاد يكون شعرا، ومنها ما يكون سجعا، ومنها ما يكون ابتداء، ومنها ما يكون جوابا، ومنها ما يكون في الحديث، ومنها ما يكون في الاحتجاج، ومنها ما يكون خطبا، ومنها ما يكون رسائل. فعامة هذه الأبواب الوحي فيها، والإشارة إلى المعنى والإيجاز هو البلاغة.
وبعد فكأن ألفاظ ابن المقفع منخولة في منخل دقيق نفي الزوان مما يحمل، أما التراكيب فهي موضع العجب في رصف بعضها إلى جانب بعض على غاية الإحكام، ثم هو ليس في ألفاظه بالبخيل ولا بالمسرف، يعطي منها بمقدار ما يلبس معانيه حلة قشيبة، فيجمع بين الجزالة والوضوح والإيجاز. ومعانيه كلها ناصعة، وألفاظه كلها فصيحة، على أن اللفظ مهما سلس وبعد عن الوحشية والسوقية لا يعذب إلا بضم أجزائه في سلك واحد، لتصح المعاني، وهي سر البلاغة والفصاحة والروعة، وهذا كان ظاهرا في كلام ابن المقفع، هو يمشي من صفاء الطبع على عرق عريق، ويحاول أبدا نقل فكر، إلى من يتلو كلامه، واضحا جليا، فكأنه يتوخى الإفهام أولا، وبلاغته في كثرة إفهامه. وما كان يحفل بالسجع جملة، اللهم إلا ما أتى به بيانه عفوا في بعض ثنايا الكلام، فكأن السجع، وهو نادر جدا في أدبه، متطفل على قلمه عارض عليه، والأصل في إنشائه المرسل الرشيق.
كان ابن المقفع كثيرا ما يقف إذا كتب، فقيل له في ذلك فقال: إن الكلام يزدحم في صدري فأقف لتخيره. فهو يتخير كلامه ويتخير موضوعه أيضا، وما خاض إلا فيما توسع في علمه، وما وقع له في رسائله، وفي كتاب كليلة ودمنة من الحكم والأفكار مما يتأدب به كل إنسان، ويصلح لكل زمان ومكان، وينفع أهل كل نحلة ولسان، وكله شاهد بسعة بصره في كلام العرب، وبطول تبصره في دراسة أحوال المجتمع، كان متبحرا في أدب أمته، وكشف خوالج نفوسها، وكان مؤمنا بما يقول، هاضما ما تعلم، يغترف بيانه من صميم القلب، فجادت لذلك طريقته،
Страница 89