[74_2]
الكتاب من صفتكم، فإن الكاتب يحتاج من نفسه ويحتاج منه صاحبه الذي يثق به في مهمات أموره، إلى أن يكون حليما في موضع الحلم، فقيها في موضع الحكم، مقداما في موضع الإقدام، ومحجما في موضع الإحجام، لينا في موضع اللين، شديدا في موضع الشدة مؤثرا للعفاف والعدل والإنصاف، كتوما للأسرار، وفيا عند الشدائد، عالما بما يأتي ويذر، ويضع الأمور في مواضعها، قد نظر في كل صنف من صنوف العلم فاحكمه، فإن لم يحكمه شدا منه شدوا يكتفي، يكاد يعرف بغريزة عقله، وحسن أدبه، وفضل تجربته، وما يرد عليه قبل وروده، وعاقبة ما يصدر عنه قبل صدوره، فيعد لكل أمر عدته، ويهيئ لكل أمر أهبته؛ فنافسوا معشر الكتاب في صنوف العلم والأدب، وتفقه في الدين، وابدءوا بعلم كتاب الله عز وجل والفرائض، ثم العربية فإنها ثقاف ألسنتكم، وأجيدوا الخط فإنه حلية كتبكم، وارووا الأشعار واعرفوا غريبها ومعانيها، وأيام العرب والعجم وأحاديثها وسيرها، فإن ذلك معين لكم على ما تسمون إليه بهممكم، ولا يضعفن نظركم في الحساب، فإنه قوام كتاب الخراج منكم، وارغبوا بأنفسكم عن المطامع سنيها ودنيها، ومساوي الأمور ومحاقرها، فإنها مذلة للرقاب، مفسدة للكتاب؛ ونزهوا صناعتكم، واربئوا بأنفسكم عن السعاية والنميمة، وما فيه أهل الدناءة والجهالة، وإياكم والكبر والعظمة، فإنها عداوة مجتلبة بغير إجنة، وتحابوا في الله عز وجل في صناعتكم وتواصلوا عليها، فإنها شيم أهل الفضل والنبل من سلفكم.
وإن نبا الزمان برجل منكم فاعطفوا عليه، وواسوه حتى ترجع إليه حاله، وأن أقعد الكبر أحدكم عن مكسبه ولقاء إخوانه، فزوروه وعظموه وشاوروه، واستظهروا بفضل رأيه وتجربته، وقديم معرفته؛ وليكن الرجل منكم على من أصطنعه واستظهر به ليوم حاجته إليه، أحدب وأحوط منه على أخيه وولده، فإن عرضت في العمل محمدة فليضفها إلى صاحبه، وإن عرضت مذمة فليحملها من
Страница 74