[73_2]
تنهض بتعريفه التراجم المطولة التي يكتبها أصحابها، فيمن لم يعرفوهم ولم يعاشروهم، فيترجمون لهم كما يترجمون لغيرهم. وبعض التراجم إذا أزالت منها جملا معينة تليق أن تلبس على جسم أكثر الناس وروحهم، وترجمة المرء من كلامه أفعل أثرا وأصدق قيلا.
والرسالة الثانية لعبد الحميد، هي رسالته إلى الكتاب، وقد تعد من مطولاته قال الجهشياري: وجدت بخط ميمون بن هارون لعبد الحميد كتابا إلى الكتاب أطال فيه، إلا أنه أجاد فلم استجز إسقاط بعضه ، وكتبته جميعه على طولها لأن الكاتب لا يستغني عن مثله وهو:
أما بعد حفظكم الله يا أهل هذه الصناعة وحاطكم ووفقكم وأرشدكم، فإن الله جل وعز، جعل الناس من بعد الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين، ومن بعد الملوك المكرمين سوقا، وصرفهم في صنوف الصناعات التي سبب منها معاشهم، فجعلكم معشر الكتاب في أشرفها صناعة: أهل الأدب والمروءة والحلم والروية، وذوي الأخطار والهمم، وسعة الذرع في الإفظال والصلة، بكم ينتظم الملك، وتستقيم للملوك أمورهم، ويتدبير وسياستكم يصلح الله سلطانهم، ويجتمع فيئهم، وتعمر بلادهم؛ يحتاج إليكم الملك في عظيم ملكه، والوالي في القدر السني والدني من ولايته، لا يستغني عنكم منهم أحد، ولا يوجد كاف إلا منكم، فموقعكم منهم موقع أسماعهم التي بها يسمعون، وأبصارهم التي بها يبصرون، وألسنتهم التي بها ينطقون، وأيديهم التي بها يبطشون؛ أنتم إذا آلت الأمور إلى موئلها، وصارت إلى محاصلها، ثقاتهم دون أهليهم وأولادهم وقراباتهم ونصائحهم، فأمتعكم الله بما خصكم من فضل صناعتكم، ولا نزع عنكم سربال النعمة عليكم.
وليس أحد من أهل الصناعات كلها أحوج إلى استخراج خلال الخير المحمودة وخصال الفضل المذكورة المعدودة منكم أيها الكتاب، أن كنتم على نما سبق به
Страница 73