[72_2]
وثقاته ونصحائه له صيت في الرياسة، وقدم في السابقة، وأولية في المتابعة؛ ويتعهدهم ودوابهم وسلاحهم ليكونوا كرجل واحد في التشمير وسرعة الإجابة عند الطلب. وقال له أن يوكل بخزائنه ودواوينه رجلا ناصحا أمينا، ويجعل معه خيلا يكون مسيرها ومنزلها ومرحلها مع خزانته وحولها، ويكون عامة الجند والجيش متنحين عنها لئلا تحدث فزعة، فينتهب الجند أنفسهم الخزانة.
وبعد أن نحا هذا المنحي ختم هذه الرسالة العذراء مزينا للقائد أن يعمد إلى الحيل أولا لا إلى القتال، وأن يدس على عدوه، ويكاتب رؤساءهم وقادتهم، ويعدهم ويمنيهم، ويقطع أعناقهم بالمطامع. وقال له: ولا عليك أن تطرح إلى بعضهم كتبا كأنها جواب كتب لهم إليك، وتكتب على ألسنتهم كتبا إليك تدفعها إليهم، وتحمل بها صاحبهم عليهم، وتنزلهم عنده بمنزلة التهمة ومحل الظنة، فلعل مكيدتك في ذلك أن يكون فيها افتراق كلمتهم. وأتم الرسالة بما يجب عليه وعلى جيشه من ذكر الله عند المصاولة، وأن لا يظهر الجند تكبيرا إلا في الكرات والحملات، أما وهم وقوف فإن ذلك من الفشل والجبن، وأن يكون في معسكره المكبرون في الليل والنهار قبل المواقعة يحضون الناس على القتال، ويصفون لهم منازل الشهداء وثوابهم، ويذكرونهم الجنة ودرجاتها، ونعيم أهلها وسكانها.
وكتب هذا الكتاب سنة تسع وعشرين ومائة قبل زوال ملك بني أمية من الشرق بثلاث سنين. وقد عرفنا به أمورا كثيرة من شؤون تلك الأيام، ونمط حروبها وغاراتها، والأخلاق الغالبة على أهلها، ما لا نتعرف بعضه بالرجوع إلى الكتب المطولة، والأحاديث المنتشرة؛ ودل بها عبد الحميد أنه رجل الدولة الأموية، ممن قد ينبغ مثلهم أواخر الدول، فيكونون لها سراجا وهاجا، وتطفأ شعلتهم بانطفاء شعلتها.
وعرفنا بهذا القليل من الصفحات من كلام إمام المنشئين نفسيته وعقله، بما لا
Страница 72