[67_2]
وهنا وصف له الطريقة التي يجب أن يتخذها لإرسال عيونه وجواسيسه لمعرفة حال العدو وإدراك نفسيته، وما يرغب فيه مستشيرا لذوي النصيحة الذين قد حنكتهم السن، وخبطتهم التجربة، ونجدتهم الحروب؛ وأن الواجب أن يعظم أمر عدوه لأكثر مما بلغه، أخذا بالحزم لئلا يكون مهين الجند، ولا مفرطا في الرأي، ولا متلهفا على إضاعة تدبير. وحذره جواسيسه أنفسهم بما يأتونه به من أخبار عدوه؛ وأن لا يعاقبهم إذا اتهمهم في خبر حملوه، ملتمسا لهم الاعتذار، ولعلهم أوتوا من تدبير العدو ومكيدته.
وقال:
ألبسهم جميعا على الانتصاح، وأرجح لهم المطامع، فإنك لم تستبعدهم بمثلها، وعدهم جزالة الثواب في غير ما استنامة منك إلى ترقيقهم أمر عدوك. واعلم أن جواسيسك وعيونك ربما صدقوك، وربما غشوك وربما كانوا لك وعليك، فنصحوا لك وغشوا عدوك، وغشوك ونصحوا عدوك، وكثيرا ما يصدقونك ويصدقونه، فلا تبدرن منك فرطة وعقوبة إلى أحد منهم، ولا تعجل بسوء الظن إلى من أتهمته على ذلك، وابسط من آمالهم فيك، من غير أن تري أحدا منهم أنك أخذت من قوله أخذ العامل به والمتبع له؛ أو عملت على رأيه عمل الصادر عنه، أو رددته عليه رد المكذب به، والمتهم له، المستخف بما أتاك منه، فتفسد بذلك نصيحته، وتستدعي غشه، وتجتر عداوته؛ واحذر أن يعرف جواسيسك في عسكرك، أو يشار إليهم بالأصابع، وليكن منزلهم على كاتب رسائلك وأمين سرك، ويكون هو الموجه لهم، والمدخل عليك من أردت مشافهته منهم؛ واعلم أن لعدوك في عسكرك عيونا راصدة، وجواسيس كامنة؛ وأن رأيه في مكيدتك مثل ما تكايده به، ويستحال لك كاحتيالك له، ويعد لك كإعدادك فيما تزاوله منه؛ فاحذر أن يشهر رجل من جواسيسك في عسكرك فبلغ ذلك عدوك، ويعرف موضعه فيعد له
Страница 67