Египетские и западные переводы

Мухаммед Хусейн Хейкал d. 1375 AH
76

Египетские и западные переводы

تراجم مصرية وغربية

Жанры

ولقد اقتطع لها شلي من أربعمائة الجنيه التي كان يعيش عليها مائة كاملة ورتبها لها لتعيش منها برا بها وتقديرا لتبعته في دعوتها، وعلى أثر سفرها عاد إلى جو الأسرة طمأنينته وعاودت هاريت ابتسامتها وعادت هي إلى تغريدها، ومع ما كانت تلمع إليه بعض فتيات جدوين من ميلها إلى التجمل بما لا يتفق مع بساطة الحياة الطبيعية، ومع ما كن يتهامسن به مشفقات على شلي من أنه لم يتزوج الشابة التي تسعده وتلهمه، فقد ابتهج هو بعودها إليه وفتح لها من جديد كل قلبه، ثم زاده بها شغفا أنها حملت، فود أن يستعيد وإياها ألوان متاعهما السابق؛ لذلك هجر العاصمة ومعهما إليزا وسافرا إلى إرلندة وإلى الغال لا يبتغيان من رحلتهما هداية أحد ولا الدعوة إلى جديد، وإنما يرجوان أن تحدثهما أماكن شهدت غرامهما بأهازيج هذا الغرام لتزيد في أنغامه الثائرة من حنايا جوانحهما ما يزيدهما صبابة وهوى، وكانا سعيدين طوال رحيلهما مطمئنين إلى حبهما، على أن ما دعا في الحقيقة إلى هذه السفرة ثورة قامت بنفس شلي جعلته يحس في أعماق نفسه من غير أن يستظهر أمام بصيرته أن شيئا قد اندس بينه وبين هاريت يوشك أن يفصل بين قلبيهما وأن يبتر صلة حبهما، وكان رجاؤه أن يعود إلى ملك عصفوره إذا أزال من نفس عصفوره الوهم أن أحدا ينازعه فيه ، وكان رجاء هاريت أن تعود إلى ملك صاحبها وأن تنزل به إلى مستوى الناس الذين يعرفون للحياة المادية قيمتها ويعملون على الاستمتاع بكل مظاهرها على نحو ما يستمتع غيرهم بها.

وتقدم بهاريت الحمل، فلم يك بد من عودهم إلى العاصمة مرة أخرى، ووضعت بنتا أسموها (يانت) جعلت أمها أشد حرصا على صلاتها بالجمعية وعلى محاكاتها إياها، وفيم كان زواجها من حفيد البارون شلي صاحب الثروة الضخمة والضياع الواسعة إذا كانت لا تطمع في حياة ضريباتها النبيلات، بل في حياة العامة من الناس؟ ولعلها كانت لا تغلو في هذا الميل لو أن أختها إليزا لم تكن دائبة التحدث لها عنه والعود بها إلى أن ذاك كان كل رجائها ورجاء أبيها من صلتها بشلي.

واضطر هو آخر الأمر إلى الإذعان لمشيئتها، فاقتنى لها عربة ولم يرفض أن يصحبها مرة إلى بائع الحرائر وأخرى إلى صانعة القبعات، ثم ألحت عليه، وعاونتها إليزا في إلحاحها، أن يعمل على استعادة صلته بأبيه، واضطرته، فكتب له يرجو زوال ما بينهما من قطيعة، لكن هذا السعي أخفق بعد أن أصر مستر تموذي على أن يعلن ابنه النزول عن آرائه والعود إلى حمى الجمعية ونظامها، وأحفظ رفض شلي شروط أبيه قلب إليزا وقلب هاريت وزاد فيما بين الرجل وزوجته من شقة خلف كان لا يزيدها تعاقب الأيام إلا انفراجا، وكان من أثر ذلك أن جعل شلي يجد المسرة في مقامه بين أسرتي جدوين ونيوتن وفي السفر وحده إلى حيث تقيم مدام دبوانفيل مع ابنتها كورنليا ترنر يقضي في ضيافتهما أياما وأسابيع، بل لقد أقام عندهما في إحدى الضيافات شهرين متتابعين تاركا هاريت وأختها ينعمان بما تشاء أهواؤهما التي هوت إلى مستوى أهواء الجماعة الإنسانية، وكان إعجابه بكورنليا يزداد يوما فيوما حتى انقلب حبا وحتى فكر في اختيارها رفيقة حياته.

لكن أسرة نيوتن كانت - برغم حريتها في التفكير وتطبيقها صور تفكيرها في طعامها وفي حدود المنزل - أسرة أرستقراطية النزاعات في علاقتها المدنية ، فلم يرقها هذا التفكير من جانب شلي في مخالطة كورنليا، وأدرك هو هذا فاكتفى بسعادته بين أولئك السيدات الرشيقات البالغات من عذوبة النفس وسمو الإدراك ما لم يكن يجده إلا في جماعة جدوين، على أنه أدرك وجوب الانقطاع ولو إلى حد عن تكرار زياراته لهؤلاء وأولئك، وأكب حتى فرغ من (الملكة ماب) وقد أودعها كل ما دار في نفسه عن الحياة من خواطر وما وقع عليه في أثناء مطالعاته من معارف وأفكار وجعلها كأنها كتاب الرسالة التي ظن أن القدر ألقى عليه إبلاغها للناس، وكم كان غضبه لتدهور عقلية الجماعة شديدا حين قابلت (الملكة ماب) بفتور لم تتخلص من أثره بعد أن علا في الشعر نجم شلي، بل لقد ظلت حتى اليوم منظورا إليها على أنها دون ما أبدع بعد ذلك من معجزات الشعر بكثير.

ولقد كان واجدا عن فتور الجمهور بإزاء قصيدته عزاء لو أنه وجد في هاريت أو في غيرها عطفا عليه يقوي عزمه ويشد قلبه، لكن هاريت كانت على العكس من ذلك قد أمعنت في إهماله حتى لم تأب الظهور في الجمعية مستندة إلى ذراع الضابط رايان الذي جعل يتردد عليها بحجة أن له بأختها إليزا معرفة قديمة، وقد حاول شلي أن يسترد قلبها وأن يحول بينها وبين الانحدار إلى أعمق مما انحدرت إليه، لكنه ألفى هذا القلب تحجر فلم تعد تهزه بإزائه عاطفة ولا يحركه نحوه ذكر للماضي ولا رجاء في المستقبل.

وإنه لفي يأسه من هذه الناحية إذ أقبل عليه جدوين يستعينه في متاعب مالية أعانه شلي من قبل في مثلها، وطار شلي إلى داره راجيا أن يجد في صحبة جين وفاني بعض السلوى عن عقوق هاريت وجحودها قداسة حبهما، ولم يخنه القدر ولا نبا به حظه هذه المرة، فقد طالما تحدث إليه جدوين عن ابنته ماري وذكائها ونشاطها وحبها المعرفة ومثابرتها على النهل من موارد العلم، ولطالما وصفتها له جين وفاني على أن ذكاءها يعدل جمالها، وما كانت أشد حاجة شلي ليجد الملاك الذي يجمع إلى الجمال الذكاء وإلى عذوبة الروح سمو النفس وإلى طهارة الضمير عظمة القلب، والذي يضيء جمال وجهه بما في الوجود من قوى الفضل والخير الكمينة مبعثرة في ثناياه! ما كان أشد حاجته إلى أن يهب كل ما في قلبه من حب للوجود لتلك الجميلة التي تضيء وجهها بكل جمال الوجود! وألفى ماري ساعة وصل إلى بيت أبيها قد عادت من إيقوسيا وجلست بين جين وفاني اللتين قدمتاه إليها وذكرتاه بحديثهما عنها كما ذكرتا له أنهما حدثتا أختهما عنه، ولم تك إلا سويعة تحدثت ماري إليه فيها حتى سحرته عن نفسه، فجعلته يرى في جمالها وشبابها ورقتها تلك الرشاقة النسوية مجتمعة إلى النشاط والطلعة الذهنية التي تميز الشبان اجتماعا كان يراه دائما صورة الكمال الإنساني في خير ما يستطيع الفن أن يكون، والحق أن ماري كانت ذكية الجمال تنطق قسمات وجهها الرقيقة غاية الرقة بما تنطوي عليه جوانحها من أنفة، وتنم عيونها الكستنائية اللون عن شيء من الألم لم يعرف شلي مصدره إلا بعدما علم أنها تزور كل يوم قبر أمها تقرأ عنده كتبها وتستودعه همها وشجنها، وقد أجابت طلبته أن يصحبها كل يوم إلى هذا القدس تنطوي صفائحه على أقدس حب امتلأ قلبها به منذ طفولتها، وأمام هذا القدس ارتبط القلبان اللذان جعلا كل يوم دأبهما الصلاة له، ارتبطا وتعاهدا على أن يكون كل منهما لصاحبه حتى آخر دهر.

ولما علم جدوين بما بين ابنته وشلي حال بينهما ومنعه عن بيته، فأجج بذلك نيران قلبه وجعله يعتزم اصطحابها والفرار وإياها، وأيقن أن لن يؤنبه ضميره من ناحية هاريت بعدما ظهر منها أنها لا تعني بغير ماله، فدعا بها من الريف إلى لندن وأخبرها بعزمه وبأنه جعل لها راتبا يكفيها عيشها، لكن العصفور رقيق التكوين فلم يحتمل الصدمة فمرض، ثم حاول أن يسترد صاحبه إليه فلم يفلح أن كان قلب صاحبه قد أصبح في ملك غيره. (4) ماري جدوين

كانت أبواب أوربا قد فتحت أمام الإنجليز بعد ذهاب نابليون إلى إلبا ، فلما أبلت هاريت من مرضها اتفق شلي وماري وصحبتهما جين، أن كانت تشعر بميل نحو شلي، فسافروا إلى سويسرا وجاسوا خلالها حتى لوسرن، على أن مقامهم بين جبالها وعلى شواطئ بحيراتها لم يطل أكثر من ستة أسابيع عادوا بعدها إلى بيت صغير على شواطئ التمس أقام ثلاثتهم فيه، ولقد أدى هذا الفرار ومعاشرة شلي لماري من غير زواج بينهما لمقاطعة جدوين إياه وتحريمه بيته وعلى اللتين فرتا معه، وذلك برغم ما كان لشلي على جدوين من فضل إمداده بالمال في ظروف كان هو وزوجه هاريت في أشد الحاجة إليه، بل لعل هذا الإسراف من جانب شلي كان أهم ما غير قلب عصفوره عليه ودفعها إلى الحرص على أن تمتع من الحياة بما يمتع به غيرها من مثيلاتها مما كان يراه زوجها سخفا غير لائق بالنفوس السامية، ولم يكن جدوين وحده هو الذي قاطعه، بل قاطعته كذلك أسرة نيوتن ومدام دبوانفيل، وانقطع عليه كل سبيل لرؤية كورنليا ترنر، ولم يبق له من أصدقاء يزورونه غير صديقه القديم هوج وصديق استحدثه في الزمن الأخير يدعى بيكوك.

على أن عزلة شلي مع خليلته وجين لم تحل دون التهاب قلبين بحبه التهابا دفعهما إلى ما يشبه الجنون، فقد شعرت زوجته هاريت وستبروك من يوم أعلن إليها عزمه على الاتصال بماري جدوين أن ضرام الحب الذي كان قد خبا في قلبها حتى صارت لا ترى عليها من بأس في التحبب إلى أمثال الضابط رايان، تلهبه الغيرة من جديد، وأي شيء أفتك بقلب امرأة من رؤيتها امرأة أخرى تسلبها رجلها وتسلبها معه هناءها ومجدها؟ إنها لترى حقا لها أن تعذب من تحب وأن تصد عنه وأن تلاطف غيره، ولترى واجبا على محبها أن يرى في صدها من علائم الدلال ما يقتضيه مضاعفة التودد لها والإذعان لكل أمرها والتماس الصفح عما دعا إلى هجرها، وإن لم يك شيء قد حدث يوجب التماس الصفح عنه، بل لترى واجبا كذلك عليه ألا يقتضيها إسعاده أو تهوين الحياة عليه، فإن فعل فهو أثر لا قلب له والأنانية ملء نفسه، أما إن رأى في امرأة أخرى ملاك سعادته فأحبها فتلك الجريمة والطامة الكبرى، وتلك المرأة الغادرة هي أحط من حملت أرض أو أظلت سماء، وكذلك كانت ماري في رأي هاريت، وقد ازدادت لها بغضا وعن شلي إعراضا حين بعث إليها يستضيفها عنده في بيت ماري، أف لهما من منافقين! وأف لهذه اللعينة ماري التي لا تراها هاريت تعدلها رشاقة ولا جمالا ولا عذوبة صوت ولا حلاوة روح، بل التي لم تؤت أي حظ من الجمال، بل التي تستحق أن تسحق وأن تعض بالأسنان وتقطع بالأظافر، ولئن كان شلي قد ضعف أمامها كل هذا الضعف فلتنتقمن منه هاريت شر انتقام.

كان ذلك شأن هاريت، أما فاني أملاي فقد جعلت تحس في بيت جدوين وحدة ممضة مؤذية، وتشعر بنفسها غريبة ليس لها في البيت أم ولا أب ولا صديق، ويلذعها قلبها بذكر ما كان يفيض به إزاء شلي من حب وإخلاص، فها هو ذا شلي قد اختار ماري عليها، وهذه جين قد وجدت في نفسها الجرأة لتصحبهما، أما هي فلم يبق لها في الحياة إلا أن تنظر إلى أشباح اليأس يحيط بها، وأن تتمنى لشلي في نفس الوقت الهناء والسعادة، وكيف تراها تحمل له أي ضغن ولم يكن تفضيله ماري جدوين عليها إلا حلقة من سلسلة سوء الحظ الذي أحاط بها منذ مولدها حتى لجعلها تؤمن بأنها ولدت تحت طالع من النحس لا سبيل لمغالبته، ألم يمت أبوها فتزوجت أمها من جدوين ثم ماتت هي الأخرى تاركة إياها يتيمة الأبوين لا معين لها في الحياة إلا بر هذا الرجل الذي استبقاها عنده رأفة بها وإشفاقا عليها؟! فإذا فضل عليها شلي أختها لأمها فليس ذلك أقسى ما أصابها به القدر، وبحسبها أن تظل على إخلاصها له ورثائها لما وصل إليه من فقر اضطره ليعيش وامرأتين معه عيش كفاف ودون الكفاف، بل لقد أثقلته الديون حتى اضطر دائنوه إلى أن يلجأوا للقضاء فجعل رجاله يتعقبون شلي يريدون إلقاء القبض عليه كي يفي بديونه أو يسجن، ولولا يقظة فاني وإخطارها شلي بالأمر وفراره من متعقبيه لذهبوا به إلى السجن، ثم لما تحرك قلب أبيه لاستخلاصه بعد الذي كان بينهما من قطيعة وجفاء.

Неизвестная страница