Египетские и западные переводы
تراجم مصرية وغربية
Жанры
من الحقائق التي لا سبيل إلى نقضها أنه لو لم يكن اليهود هجما متعصبين، أو لو أن عزيمة بونتياس بيليت كانت كصراحته، لما استطاع الدين المسيحي أن يستفيض، بل لما أمكن أن يوجد، فيا من أعز آرائه عليه رهن بمثل هذا الخيط الضعيف، وأعلق عواطفه بقلبه مصدرها يعتوره الشك، تعلم على الأقل التواضع، واعترف بأن من الجائز أن تكون تربيتك وظروفك قد سولت لك التسليم بقواعد لا ينهض عليها دليل ولم تثبت صحتها على وجه مقنع مرض، واعترف كذلك على الأقل بأن فساد رأي أخيك ليس بالسبب الكافي الذي يجعله أهلا لكرهك، أمن أجل أن إنسانا مثلك ينكر أن عقيدتك معقولة، يكون حقيقا بعقاب التعذيب والسجن؟ وإذا سلمنا بجواز الاضطهاد الديني فما أوسع الباب الذي يفتح ويقتحم منه المتعصبون من كل لون على سلم المجتمع وسلامه! وأي وحشية وفظيعة دموية لا تنقلب مباحة؟ ولكني أسأل: أليس ذلك الرجل الذي ينكر صحة عقيدة شائعة أحق بتعظيم المجتمع منه بسخطه وغضبه؟ لأنه إما أن يثبت زيفها وعمقها (وبذلك يقضي على ما هو زائف ولا طائل تحته) وإما أن يتيح لأنصارها الفرصة لإثبات صدقها وجمالها، وهذا - على التحقيق - لا يمكن أن يكون جريمة، فإن من يهب وقته للبحث الحر والتحقيق الجريء في كبرى المسائل التي ترجع في مرد أمرها إلى طبيعتنا الأخلاقية، يكون أجدر بتشجيع المشترعين المتنورين منه بأن يحيق به انتقامهم، وأحب أن تعلم يا سيدي اللورد أن أغلال الحديد لا تقيد ولا تخضع روح الفضيلة، وأنها تسمو فوق وحشية المحابس وقسوتها، وترتفع حرة جريئة إلى حيث لا تقدر روحك أن تحلق وراءها من مقعدك الفخم في القضاء، ولست أدعوك لتحذر أن تنسيك مسيحيتك أنك إنسان، ولكني أعظك أن تستعجل ذلك العصر الذي يقبل علينا مسرعا في ظل نظام القهر الحاضر، والذي تكون فيه مجالس القضاء حقيرة مأجورة، وتكون السجون منازل لكل ما هو شريف وصادق.
ويصل إلى القمة من حججه حين يستشهد التاريخ على أن الظلم لم يخفت صوت الحق بل قضى على الظالمين، وذلك في عبارة بالغة غاية الإبداع، حين يقول:
سقي سقراط السم لأنه اجترأ أن يكافح الخرافات التي كان مواطنوه يلقنونها وينشأون عليها، ثم ما عتمت أثينا بعد موته بقليل أن تبين لها ما في حكمها عليه من الظلم فانتصفت له من متهمه «مليتاس» ورفعت سقراط إلى قريب من مراتب الأرباب.
وصلب المسيح لأنه حاول أن يهذب طقوس موسى ويستبدل بها ما هو أدنى إلى الإنسانية وأشبه بالخير، ولقد أعلن قاضيه على الملأ اعترافه ببراءة ساحته، لكن الشعب الجاهل المتعصب أبى إلا الفعلة الشنعاء، فسرح براباس القاتل الخائن وقدم المسيح الوديع المصلح قربانا لإله اليهود الدموي، ثم مضى الزمن وتبدلت الأحوال وتغيرت معها آراء الناس وراح الغوغاء على عادتهم من التطرف يرون في صلب المسيح خارقة، ولم تعوزهم شواهد المعجزات وآياتها - وما أكثرها في عصور الجهالة! - ليثبتوا بها أنه كان من الله، ودارت هذه العقيدة في النفوس مع العصور والتقت بأحلام أفلاطون ومنطق أرسططاليس، واكتسبت القوة والسعة والامتداد حتى تقررت ألوهية المسيح وصارت المنازعة فيها مجلبة للموت، والشك في صحتها جريمة وعارا.
والمسيحية الآن هي الديانة المقررة، فمن أراد أن ينازع في ذلك فعليه أن يوطن نفسه على أن يرى السفاكين والخونة يتقدمونه في اعتبار الرأي العام، إلا إذا كانت عبقريته كفاء شجاعته وآزره من ظروف الأحوال ما يكفل له أن ترفعه الأجيال المقبلة إلى مصاف الآلهة، وأن تضطهد الناس باسمه وفي سبيله كما اضطهد هو باسم من كانوا أسبق منه إلى الفوز بعبادة العالم.
ثم يختتم خطابه بقوله:
إن الزمن ليقترب مسرعا حين يعيش المسلم واليهودي والمسيحي والمؤمن والملحد معا في جمعية واحدة يتقاسمون متساوين ما ينشأ عن اجتماعهم من فوائد ويتحدون مرتبطين بروابط الإحسان والحب الأخوي، وأرجو لمولاي اللورد أن يرى ذلك اليوم.
ولما أتم شلي خطابه هذا حاول العود لإتمام قصيدته «الملكة ماب»، لكن حياة لنموث بدأت تثقله وتدفع الملال إلى نفسه، ذلك أن الغيرة دبت إلى نفس زوجته من مس هتشنر فرأت فيها منافسا لها دس الهم إلى حياتها، وربما وجد شلي الوسيلة إلى الدفاع عن ضيفه لو أنه وجد منها ما كان يرجو من مشاركته في تفكيره وإلهامه بما يزيده تحليقا في سماء الشعر ينهل فيها كل ما يريد من صور ومعان وألوان، وزاد في همه أن رأى هاريت لا تتابعه في جولات خياله وذهنه بما يزيده قوة على قوته وسموا على سموه، بل وقفت تتلفت إلى ما حولها تبتغي من متاع الحياة مثل ما ابتغت من قبلها أخته وابنة عمه، حينذاك أيقن شلي أن لا سبيل للبقاء في وحدة الريف واعتزم العود إلى لندن عله يجد في الجماعة مسليا عن هذه العواطف الوضيعة التي بدأ المحيطون به يشغلون بها ذهنه، وفي مقابلة جدوين منشطا لروحه في توثبها للعمل على سعادة بني الإنسان إخوته، واختار في العاصمة فندقا صغيرا أقام وصحبه فيه، ثم ذهب مع زوجته في يوم من أكتوبر يزور أستاذه في موعد حدده، وكان جدوين يقيم بمنزل صغير يتصل بمكتبة يطبع هو فيها كتبا للأطفال ويبيعها، ذلك أن مكانته التي بلغها بعد نشره كتاب (العدل السياسي) والتي دعا فيها إلى هدم نظم الزواج والأسرة والنزوع إلى صورة مخففة من الشيوعية كانت قد ضعفت بمقدار عظيم، فلقد كان يوم كتب هذا الكتاب قسيسا خرج على زمرته وأطلق العنان لفكره، لكنه ما لبث بعد ذلك أن تزوج من ماري ولستنكرافت التي ماتت تاركة له ابنة دعتها باسمها ماري وابنة أخرى من زواجها الأول هي فاني أملاي، ولم يمض على موتها حين حتى تزوج مرة أخرى من جارة له كانت تبدي إعجابها به، وكانت ذات ابنة من زواج أول هي جين كليرمون، وقد اجتمعت الأسرة في انتظار زيارة شلي وزوجته لم يتخلف منها إلا ماري التي تزوجها شلي من بعد، لأنها كانت على سفر في إيقوسيا، وقد ربطت هذه المقابلة الأولى بين شلي وزوجته وجدوين وأسرته بأقوى الروابط، على أن فاني وجين - وكانتا فتاتين ذواتي جمال وعلم - ما لبثتا أن رأتا شلي واستمعتا إليه حتى أظهرتا غاية الإعجاب بجمال نفسه وسمو ذهنه ومتوقد خياله، وحتى شعرت كل واحدة منهما في أعماق نفسها بميل نحوه دفعها إلى التقرب منه والعمل لاجتذابه، وشعر هو من ناحيته بأنهما أكثر من هاريت معرفة وأقدر على تتبع البحوث الفلسفية وتذوق جمال الشعر.
ومن طريق أسرة جدوين تعرف إلى نيوتن، وكانت أسرة متأثرة بتعاليم الثورة الفرنسية وبالثقافة الفرنسية إلى حد ملك لب شلي، وكيف لا تملك لبه ولم تقف عند التهذيب تأخذ منه بأعظم نصيب، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك فطبقت في كثير من نظم حياتها مبادئ الإنسانية التي أعلنتها الثورة، لم يكن أحد من أفرادها يأكل اللحم وكانوا جميعا يميلون إلى ناحية الحياة الطبيعية التي دعا روسو إليها بقدر ما تسمح به ظروف الحياة، ومن ذلك أن كانوا يتركون أطفالهم عراة ما داموا في الدار، وقد قارضوا شلي إعجابا بإعجاب وتقديرا بتقدير، وشاركتهم في ذلك أخت لمسز نيوتن تدعى مدام دبوانفيل، تربت هي وابنتها في فرنسا ونشأت على تعاليمها، وكذلك استطاع أن يجد في المدينة منجاة من تلك الوحدة التي أثقلت كاهله في لنموث والتي اضطرته إلى هجر تلك البقاع الجميلة المحبوبة التي ألهمته خطابه إلى لورد اللنبرا والتي كان يتمنى لو أتم فيها قصيدته (الملكة ماب).
وزاده أنسا إلى المدينة وحياتها أن استطاعت زوجته - أو أختها إليزا على وجه أصح - أن تجعل عيش مسز هتشنر معهم محالا حتى لتطلب هي مغادرتهم شاكية ما أصابها بسبب دعوة شلي إياها من انقطاعها عن المدرسة التي كانت تعمل فيها ومن سوء سمعة زعمت أنها علقت بها لاتصالها برجل هو من الجمعية موضع الريبة.
Неизвестная страница