قلنا: العقل يحيل ما قلت؛ لأن الوجود والعدم إثبات ونفي ولا واسطة بينهما، فكل معلوم لا يخلو منهما، فالوصف لأحدهما نفي الآخر، وبعد فإن ذلك مناقضة، ولو جاز ذلك في القديم لجاز في ذات أخرى، فأما التشبيه فلا يقع بجميع الصفات، وإنما يقع بصفات الذات وهي كل صفة لا تكون إلا له أو لا يشاركه في كيفية استحقاقها غيره، نحو كونه موجودا فإنه وجب له من غير مؤثر ولا علة، ووجود غيره جائز فلا بد من مؤثر، وبعد فالسواد والبياض موجودان وهما ضدان، فدل أن نفس الوجود لا يقتضي المماثلة، وكذلك سائر الصفات الجائزة.
ويقال لهم: أكان موجودا لم يزل أم لا؟.
فإن قالوا: بلى، قلنا: قد وصفتموه بالعدم، وإن قال: لا. احتاج إلى محدث. فثبت أنه تعالى يوصف، ثم صفاته وأسمائه تنقسم إلى أقسام جمة، منها صفات الذات ككونه قديما قادرا عالما حيا سميعا بصيرا، ومنها ما هي مقتضاة عن صفات الذات، ككونه سامعا رائيا مدركا، ومنها ما تنفى عنه، كما نقول ليس بجسم ولا عرض ولا تجوز عليه الحاجة، ومنها صفات المعاني، ككونه مريدا كارها، ومنها ما يوصف به لفعل فعله، كقولنا: متكلم وخالق ورازق ومحسن ومنعم، ومنها ما يوصف به لنفي فعل عنه، كقولنا غافر ولا يفعل الظلم، فعلى هذا يجري هذا الباب.
Страница 74