قال جالينوس: إن أوقات السنة مما له * حظ (796) عظيم في تدبير الغذاء. وذلك أن الناس في الشتاء يشتهون من الطعام أكثر ويكون استمراؤهم * له (797) أسهل وحالهم في الصيف على * خلاف (798) ذلك. وقد * أخبر (799) أبقراط * بالعلة (800) في ذلك * فجدد (801) القول بأن الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما يكون بالطبع. وقد فسر هو ما معنى قوله بالطبع وبين أنه لم يزده عبثا بعد قليل حين قال «وذلك أن الحار الغريزي في الأبدان في هذين الوقتين كثير ولذلك يحتاج إلى غذاء أكثر». فالأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما يكون وليس بأي حرارة كانت، لكن بالحرارة الغريزية، وقد بينت قبل * ما (802) جوهر الحرارة الغريزية. وقد أخبر أرسطوطاليس * بالسبب (803) الذي من أجله تزداد * وتنمو (804) الحرارة الغريزية في الشتاء، وذلك أنه قال إن الحرارة الغريزية تهرب من البرد الذي يحيط بالبدن من خارج فتبطن، كما أنها في الصيف أيضا تبرز وتخرج إلى * الشيء (805) المجانس لها. فيعرض من قبل ذلك أن * يتحلل (806) جوهرها وينفش في الصيف ويحتقن PageVW0P098B * ويجتمع (807) ويكثر ويعود إلى عمق البدن في الشتاء. ولذلك صار الاستمراء وتولد الدم الاغتذاء في الشتاء والربيع * أجود (808) . وزاد أيضا مع ذلك شيئا آخر يعرض في هذين الوقتين وهو * أن (809) النوم يكون فيهما أطول الليل فيهما ومعونة النوم أيضا على PageVW6P016A الأفعال الطبيعية معونة قوية. وأما ما زاد في آخر قوله وهو قوله «والدليل على ذلك أمر الأسنان والصريعين» فجعله * دليلا (810) أن الحرارة إذا كثرت تحتاج إلى غذاء كثير. وذلك أن الصبيان لما كان الحار * الغريزي (811) أكثر ما * فيهم (812) احتاجوا من الأغذية إلى ما هو أكثر واحتملوه، والصريعين أيضا لما كانت حرارتهم الغريزية * تنمو (813) بكثرة رياضتهم صاروا يقدرون أن ينالوا من * الأغذية (814) أكثر. وقد فسرنا ما * قيل (815) في * هذا (816) الفصل تفسيرا كافيا. فإن نظر ناظر في حقيقة هذا * القول (817) فلا يفهمه عاما * بجميع (818) الحيوان لكن يخرج منه الحيوان الذي يكمن في الشتاء في أوكاره. فإن هذا الحيوان لا يحتاج في وقت كمونه في الأوكار إلى غذاء أكثر * إذ (819) كان ليس * برز (820) شيئا * البتة (821) ويبقى على ذلك. ولو توهمت أنه يأكل * فأكل (822) المقدار الذي كان يأكله من قبل أن يكمن * لكان (823) لا يستمرئه إلا استمراء رديئا. فإنه يعرض للحيوان في الشتاء كما يعرض للناس في * الشتاء (824) من الاستحمام بالماء البارد. * والذي (825) يعرض للذين يستحمون بالماء البارد أن من كان منهم ضعيف * البدن (826) برد * بدنه (827) * وناله (828) ضرر ومن كان منهم قوي * البدن (829) . أما في أول ما يستحم فتهرب الحرارة إلى عمق البدن وتجتمع هناك ثم من بعد تعود إلى سطح * البدن (830) الخارج وهي أكثر مما كانت كثيرا. وكذلك الحيوان PageVW0P099A ما كان منه في * طبعه (831) أبرد، فإن برد الشتاء يغلب حرارته الغريزية حتى تكاد * أن (832) تطفأ، ولذلك نرى أكثره شبيها بالميت مطروحا في وكره وهو عدم للحس والحركة. ومنها ما يعطب عند هذا العارض، * وما (833) كان من الحيوان أكثر دما وأسخن فإنه يعرض له في الشتاء شبيه بما يعرض الأبدان القوية من الاستحمام بالماء البارد. وذلك أن حرارته تجتمع في عمق بدنه وليس * يعرض (834) ذلك من فبل أن * اللحم (835) يزول عن مواضعه التي * كان (836) فيها منذ أول * أمره (837) ويهرب حتى يصير إلى عمق البدن لكنه إنما يعرض لأن الدم والروح يغوران ويبطنان. * وقد (838) وضح أن الأجسام التي التام منها * جوهرنا (839) في أول كونه هي هذه الثلاثة الروح والدم ورطوبة المني التي كان * منها (840) أول الأمر، كما بينا في كتابنا في المني أن المني * منه (841) * تولد (842) الأعضاء * الأصلية (843) الصلبة * ثم (844) منها يكون بعد ذلك نموها واغتذائها. وليس يشك أحد أن الاستمراء يكون في الشتاء أجود إذ كان الروح والدم في ذلك الوقت يغوران ويكمنان من * عمق (845) البدن، إلا أن أبقراط لم يقتصر على أن قال هذا فقط لكنه قال أيضا إنه ينبغي أن يتناول الناس في ذلك الوقت طعاما أكثر. فإنه قال ينبغي في هذين الوقتين يعني الشتاء والربيع أن يكون ما يتناول من الأغذية أكثر، على أنه إن كان ما يتحلل وينفش من البدن في الشتاء يسيرا PageVW6P016B فليس يحتاج البدن إلى كثير مما يغتذي به لأن * الاغتذاء (846) إنما هو اختلاف مكان ما * استفرغ (847) ونقص. فينبغي أن يكون * مقدار (848) الغذاء على قياس مقدار التحلل. لكن PageVW0P099B العيان يشهد على صحة ما قال أبقراط من أنه ليس يكون الاستمراء في الشتاء أجود فقط لكنا مع ذلك أن تناولنا اليسير من الطعام غلب على أبداننا البرد ونالنا بسبب ذلك ضرر وإن أكلنا * طعاما (849) أكثر لم يعرض لنا شيء من الأمراض التي * تكون (850) من كثرة الأخلاط وطلب العلة في ذلك مشترك، لأن هذه المسئلة ليست * تلزم (851) بقراط وحده لكنها * تلزم (852) معه سائر الناس. فإنه ليس أحد إلا وهو يقول إن أبدان الحيوان تتحلل تحللا * يخفى (853) عن ذلك الحس. وذلك أنه يتبين من * قبل (854) حاجتها إلى الغذاء أنها تخلو وتتفرغ، وذلك أنه لو لم يكن * يتحلل (855) من أبداننا شيء وكان مقدار جوهرها الأول يبقى دائما لما كنا نحتاج إلى الغذاء. فتفهم الآن وانظر كيف صار ليس لأحد من الناس في هذه المسئلة جواب سوى أبقراط ومن كان من حزبه. وذلك أن الشيء الذي به * تكوين (856) الحيوان عند تصويره وابتداء خلقه ونموه بعد ذلك وغذاؤه إلى أن يموت هو هذه الحرارة الغريزية التي * كلام (857) * أبقراط (858) * الآن (859) فيها. ولما كانت هذه الحرارة هي سبب الأفعال الطبيعية كلها وكانت في الشتاء أكثر صارت في ذلك الوقت تزيد في الشهوة وتقوى الهضم وتجمع دما أكثر وتسخن البدن * وتلطفه (860) وتعين على استفراغ الفضول. * وأما (861) * الحار (862) الذي يلقى البدن من خارج فليس * يستفرغ (863) الفضول وحدها * ولكنه (864) يستفرغ كل * ما (865) في البدن بالسواء فيتحلل مع فضول * بدن (866) الحيوان الأشياء * الطبيعية (867) التي تحويها. PageVW0P100A وأما التحلل الذي يسميه الأطباء التحلل الخفي فإنما تفعله الحرارة الغريزية، * لأنه (868) ليس طبيعة الحيوان في قول أبقراط * شيء (869) سوى هذا أعني الحار الغريزي. وقد بينا في كتاب القوى الطبيعية أن * الطبيعة (870) ليس تقتصر على * أن (871) تشتهي الغذاء الموافق وتهضمه وتصله بالأعضاء في كل واحد من الأبدان، لكنها مع ذلك تحلل فضول الغذاء، وكلما كانت الحرارة الغريزية أقوى كان * التحلل (872) أخفى عن الحس. ولذلك قال ديوقليس إن العرق خارج عن الطبيعة لأنه إذا كان أمر البدن كله يجري على ما ينبغي واستولت الطبيعة على الغذاء أو قهرته لم * تنبعث (873) بتة من الجلد رطوبة تحس. فإن العرق الذي يعرقه الناس في الحمام وعند الرياضة الشديدة أو في حر الصيف إنما يكون من أسباب مستكرهة. فجميع * أمر (874) أبدان الحيوان يجري على ما ينبغي في الشتاء إذا كان معتدلا. فإن مزاجه PageVW6P017A إذا كان مفرطا رديئا فقد يذم أبقراط أمره فيما بعد. ومن أعظم الدلائل على أن جميع * أمر (875) البدن يجري في الشتاء على ما ينبغي قوة الأفعال الطبيعية. وذلك أن الطعام ينهضم في المعدة بقوة، لأن الحرارة الغريزية تكون في ذلك الوقت على أكثر ما تكون، والنوم * يكون (876) على أطول ما يكون، وفضول الدم تندفع وjستفرغ، فما لطف منها وبلغ في ذلك * الغاية (877) فإنه يندفع ويخرج من الجلد، وما كان منها بخاريا فإنه يخرج مع خروج النفس، وما كان PageVW0P100B منها غليظا فإنه يخرج مع البول. وقد يرسب في البول من الثقل في الشتاء أكثر مما كان يرسب في الصيف كثيرا مع أن مقدار البول كله أيضا يزيد * زيادة (878) في الشتاء. ويغتذي * البدن (879) أيضا ويزداد لحمه في الشتاء أكثر ويجتمع فيه دم كثير جيد إلا أن يكون تدبيره تدبيرا خبيثا * رديئا (880) مفرطا في الرداءة. وإن * تفقدت (881) حال البدن في قلة دمه في الخريف وقضفه * فإذا (882) أتى عليه الشتاء كثر فيه الدم وأخصب، علمت أن القوة التي بها يكون تدبير الغذاء تقوى في الشتاء، وتلك القوة هي الحرارة الغريزية. فإن لم * يرد (883) عليها غذاء * كثير (884) فإن برد الهواء أولا يلقاه البدن من خارج * ويوصله (885) بالنفس إلى باطنه * فليقهرها (886) ويغلبها فتضعف، ويضعف لضعفها استمراء الطعام ويولد الدم الجيد * واغتذاء (887) أعضاء البدن * واستفرا (888) غ الفضول. فإن ورد عليها طعام كثير بمقدار ما يحتمله ويغنى * به (889) * فإنها (890) تتزيد وتنمو وتفعل في * بدن (891) الحيوان جميع الأفعال التي تقدمنا بذكرها. ومما يدلك على * أن (892) اللحم يكون في الشتاء أزيد كثيرا والدم أكثر وأجود كثيرا من قبل زيادة * المطعم (893) في ذلك الوقت وجوده انهضامه لا في المعدة فقط لكن PageVW0P101A في العروق في كل عضو من أعضاء البدن * أيضا (894) الشيء الذي قد عرفه الناس بالتجربة في دوائهم فضلا عن أنفسهم. وذلك أن الناس قبل أن يبتدئ الصيف في آخر الربيع يستفرغون شيئا من الدم من أبدانهم ومن دوابهم ليذكرهم ما يعتريهم من الأمراض إذا هجمت عليهم * وفاجتهم (895) * طبيعة (896) حارة. وذلك أن * حر (897) الصيف يذيب الدم * ويبسطه (898) فيجعله * أكثر (899) مما كان ويجعل * فيه (900) كالغليان حتى أنه لا تسعه العروق وإن كان قبل ذلك معا دلالها * لكنه (901) إما أن يشقها وإما أن * يصيرها (902) متأكله. وأما * تميل (903) إلى واحد من الأعضاء وهو أضعفها كلها فيحدث فيه الورم الحار الذي * يسميه (904) اليونانييون فلغموني أو الورم الذي يسميه الحمرة أو مرض آخر PageVW6P017B غيرهما مما أشبههما. فإن أكثر الأمراض التي * تحدث (905) من الامتلاء وأعظمها إنما يكون إذا ذابت * الكيموسات (906) وانبسطت. فجميع هذه الأشياء يشهد * بما (907) قال أبقراط في هذا الفصل وخاصة لقوله إنه ليس يستمرأ في ذلك الوقت طعام أكثر فقط لكن قد يحتاج فيه أيضا من الطعام إلى مقدار أكثر. وذلك أن الطعام ينبغي أن يكون دائما على قياس كثرة الحرارة الغريزية إلا أن يعرض كما قلت من قبل حرارة الهواء أن يذوب الدم وينبسط فيضطر إلى أن ينقص منه. ولذلك إذ كان أبقراط لم يحدد قوله في الربيع التحديد الذي ينبغي فإني أنا أحده فأقول أولا إن الربيع في أوله أشبه في * مزاجه (908) بالشتاء منه بالصيف وفي آخره بالعكس. ثم أقول إن الربيع PageVW0P101B ربما كان * أيضا (909) بالجملة باردا يشبه الشتاء، وربما كان حارا يشبه الصيف. فينبغي في أول كل ربيع أن يجعل تبدير الغذاء شبيها بتدبيره في الشتاء، وكذلك فليكن التدبير أيضا في جملة الربيع إذا كان باردا يشبه الشتاء. وأما في آخر الربيع ومتى اتفق أن تكون الربيع في الجملة أسخن فينبغي أن * يجعل (910) تدبير الغذاء شبيها بتدبيره في الصيف، وإذا كان متوسطا في مزاجه فينبغي أن يجعل تدبير * الغذاء (911) على قياس مزاجه. وجميع هذا الكلام قد قاله أبقراط في تدبير * غذاء (912) الأصحاء. ثم إنه بعد هذا يصف تدبير المرضى.
16
[aphorism]
قال * (913) أبقراط: الأغذية الرطبة توافق جميع المحمومين لا سيما * الصبيان (914) * وغيرهم (915) * ممن (916) قد اعتاد أن يغتذي بالأغذية الرطبة.
[commentary]
Страница 426