قال جالينوس: قد شرحنا في كتاب المزاج * من (633) أين توهم بعض الأطباء أن * الحرارة (634) فيمن قد انتهى شبابه أكثر منها في الصبيان، وتوهم * بعضهم (635) أنها في الصبيان أكثر منها فيمن قد انتهى شبابه. وإنهم * إنما (636) أتوا في ذلك من قبل أن الحرارة فيمن قد انتهى شبابه أشد حدة والجوهر الذي فيه الحرارة في الصبيان أكثر مقدارا. PageVW0P094A وقد * يضطرنا (637) الأمر في هذا الكتاب أيضا أن نذكر ما يحتاج إليه من ذلك في هذا الوضع ونتحري * بأن (638) نأتي هاهنا على جميع ما احتيج إليه فيه هناك إلى كلام طويل بأوجز ما يمنكنا. فأقول إن اسم الحار ربما سمينا به الكيفية * نفسها (639) التي اسمها الخاص لها هو الحرارة. وربما سمينا الجسم حارا بالشتقاق من اسم الكيفية * التي (640) فيه ، واستعمال هذه الأسماء كثير فيما جرت به اللغة * بين (641) الناس وفيما تكلم * به (642) القدماء كما دل تاوفرسطس في كتابه في الحار والبارد. ولما كان جوهر الأبدان إنما يقبل مرة إحدى هاتين الكيفيتين المتضادتين وهما الحرارة والبرودة ومرة أخرى فعند قبول البدن للحرارة يسمى حارا، PageVW6P013B وي قال * (643) كثير فيه أو قليل إذا ما نظر في كمية الجوهر * الذي (644) قبل تلك الحرارة، وذلك يقال على وجهين: أحدهما في الجواهر التي ليست * بممتزجة (645) والآخر في الجواهر * الممتزجة (646) . أما في الجواهر التي ليست * بممتزجة (647) فكأنك وضعت حوضين غير متساويين وصيرت فيهما ماء مقداره في الحرارة مقدارا * واحدا (648) ثم قلت إن الحار في أحد الحوضين أكثر وهو الذي حوضه أكثر وفي الآخر أقل. وأما في الجواهر الممتزجة فكأنك وضعت حوضين متساويين وصيرت فيهما ماء وشرابا * ممتزجين (649) إلا أن مزاجهما غير * متساوي (650) ، ثم قلت إن الشراب في أحدهما أكثر والآخر فيه الماء أكثر. وليس بين هذا الوجه وبين أن تجعل الحوضين غير متساويين ومزاجهما سواء PageVW0P094B كما وصفنا فرق. وربما لم نرد بهذا القول الكمية لكن الكيفية فقط، فنقول إن الحار في هذا أكثر وفي هذا أقل كأنك وضعت حوضين متساويين في المقدار وفي أحدهما ماء أسخن من الماء الذي في الآخر فقلت إن الحار في الحوض الذي ماؤه أسخن أكثر وفي * الحوض (651) الذي ماؤه أبرد أقل، * واستعمالنا (652) أكثر وأقل في هذا الموضع ليس هو على حقيقة اللفظ. والأجود أن تستعمل * في (653) مكانهما أقوى وأضعف وما اشبههما من الألفاظ التي تستعمل على الكيفيات، وأن تحفظ * اسم (654) القليل والكثير على مقدار الجوهر فقط، إلا أن الناس قد يستعملون أشباه هذه الاستعارات في الألفاظ ليس في * هذه (655) فقط لكن في أشياء كثيرة غيره مما قد جرت به اللغة * واستعمله (656) الناس فيما بينهم حتى أنه قد يستعمل ذلك في الطب. أيضا من ذلك أن الأطباء يقولون في جميع الأمراض إن هذا المرض عظيم وهذا صغير وليست الأمراض بجواهرها، فيقولون حمى عظيمة وحمى صغيرة وفالج * عظيم (657) وفالج صغير، وعلى هذا المثال يقولون في ذات الجنب والسرسام وذات الرئة وسائر جميع الأمراض. * فينبغي (658) أن يتفقد ويتثبت في الأسماء * المشتركة (659) وينظر ما الذي يعني القائل بقوله كله في كل موضع مع المواضع. فإن * للقائل (660) قولا ما إذا كان يعني بلفظة أتى بها في قوله معنى ما ففهمنا عنه غيره فأنكرنا عليه ولمناه فاللوم أياه ليس يلزم بالحقيقة لكنه إنما * يلحقنا (661) فيما توهمناه عليه PageVW0P095A * وظنناه (662) به كما قد * فعل (663) في هذا * الموضع (664) قوم * ممن (665) شأنهم الخلاف على أبقراط. وذلك أنهم فهموا عنه أنه أراد بقوله الحار * الكيفية (666) فراموا أن يثبتوا * أنها (667) في من هو في منتهى الشباب أقوى. وأبقراط لم يرد باسم الحار في هذا القول الكيفية PageVW6P014A وإنما أراد به الجوهر. وذلك أن جوهر الحار الغريزي جوهر هوائي مائي كما * قد (668) يدل عليه المني، وذلك أنك * تجد (669) الجوهر الأرضي فيه * قليلا (670) وأكثر ما فيه هو حار ورطوبة كما قد بينا في كتابنا في المني. والأصل الآخر أيضا الذي * منه (671) يتم * كوننا (672) * هو (673) * رطب (674) في * طبعه (675) . * فإذا (676) انتقل بدن الحيوان ومال إلى الأرضية وهو * منتقل (677) إلى ذلك في كل يوم منذ نشئه فإنه عند ذلك وإن كان قوي الحرارة جدا ناريا فإن جوهر الحرارة الغريزية يكون فيه على أقل ما يكون عليه، ولو لا ذلك لكان يجب أن نقول إن الحرارة الغريزية في المحمومين على أكثر ما * يكون (678) ، وليس الحرارة * الغريزية (679) في المحمومين * بمساوية (680) لما كانت عليه فضلا عن أن تكون أكثر. وذلك أن جوهر الحرارة الغريزية معتدل المزاج وجوهر الحرارة العرضية ناري. وما * ينحل (681) أيضا من البدن كله إذا كانت حرارته حرارة عرضية * فهو (682) من جنس الدخان حار يابس، وإذا كانت حرارته حرارة طبيعية * فهو (683) من جنس * البخارات (684) لذيذ معتدل المزاج، وتقدر * أن (685) تتعرف ذلك باللمس. وذلك أن حرارة الأصحاء حرارة بخارية لذيذة موافقة للمس * وليس (686) لها أذا ولا كراهية ولا لذع. وأما حرارة المحمومين لا سيما الحمى التي تكون في الأعضاء الأصلية والحمى التي تكون من عفن الكيموسات فحادة كريهة مؤذية PageVW0P095B لذاعة للمس . وكيفية الحرارة التي تكون للأصحاء توجد على حقها * وصدقها (687) في الصبيان لأن * أكثر (688) من قد تناهى في الشباب توجد الحرارة فيه لذاعة ليست برطبة ولا بخارية ولا هوائية، وليس * ذلك (689) يعجب. وذلك * لأن (690) ما يتحلل من شيء ما * فينبغي (691) أن يكون شبيها بالجوهر الذي يتحلل منه. فإذا كان ذلك الجوهر رطبا هوائيا، كان * الذي (692) يتحلل منه أيضا بخاريا لذيذا. وإذا كان ذلك الجوهر أرضيا يابسا، كان الذي يتحلل منه دخانيا حادا كما قد * نجد (693) في الأشياء التي من خارج * أن (694) البخار المتحلل من الماء العذب المسخن طيب لذيذ وهو * بخار (695) بالحقيقة، وما يتحلل من الأجسام الصلبة إذا * أحرقت (696) ذخاني حاد. فالجوهر صنفان صنف منها حرارته لذيذة وصنف آخر حرارته مؤذية غير لذيذة ، فالجوهر الذي حرارته لذيذة هو في الصبيان على أكثر ما يكون عليه، والجوهر الذي يكون حرارته مؤذية غير * لذيذة (697) فيمن قد تناهى شبابه على أكثر ما يكون * عليه (698) ، فبين أن ذلك إنما هو على قياس البدن كله. وأريد أن أشرح هذا * بطريق (699) هو أشبه بالمذهب الطبيعي * فأرده (700) إلى * الاستقصات (701) ثم أتي على جميع ما قصدت * له (702) من هذا الباب، فأقول إن الاسطقسات التي * تركبت (703) منها جميع الأجسام * أربعة (704) فبدن الصبى * أقل (705) ما فيه الاسطقس الأرضي وأكثر ما فيه الاسطقس الهوائي والاسطقس المائي. وبدن المنتاهي في الشباب PageVW0P096A على خلاف ذلك، وذلك أن الغالب عليه الاسطقس الأرضي. والجوهر المائي والجوهر * الهوائي (706) فيه ناقصان حتى أنه وإن وضعنا أن الاسطقس الرابع متساو فيهما وقلنا إنهما متساويان في الحرارة، لم يجب أن نقول PageVW6P014B إن الجوهر الحار في أحدهما * شبيه (707) بالجوهر الحار في الآخر لأن الجوهر الحار في الصبيان رطب والجوهر الحار فيمن سنه في * منتهى (708) الشباب يابس.
[commentary]
قال حنين يريد بقوله ذلك ما وصفت من حال الحرارة اللذيذة الغريزية في الفتيان والمؤذية فيمن قد انتهى * شبابه (709) .
[commentary]
Страница 411