فقالت وهي تهز رأسها تهكما: لقد تزوجت بما فيه الكفاية، وأخذت نصيبك ونصيب أخيك ..
وانتبهت أمينة إلى موضوع الحديث، فقالت لزنوبة: إذا زوجت كمال، فسأحاول أن أزغرد لأول مرة في حياتي!
وتخيل كمال أمه وهي تزغرد فضحك، ثم تخيل نفسه في مجلس عبد المنعم ينتظر المأذون فوجم. الزواج يهيج دوامة في أعماقه كما يهيج الشتاء الربو عند المريض، وهو يرفضه عند كل مناسبة، لكنه لا يستطيع أن يتجاهله، وهو خالي القلب ولكنه يضيق بخلوه كما كان يضيق قديما بامتلائه، واليوم إذا أراد الزواج فليس أمامه إلا الطريق التقليدي الذي يبدأ بالخاطبة، وينتهي بالأسرة والأطفال والاندماج في ميكانيزم الحياة، فلا يكاد يجد المولع بالتأمل موضعا للتأمل، وسوف يرى الزواج دائما أبدا في مركز عجيب بين الحنين من ناحية والاشمئزاز من ناحية أخرى، أما في نهاية العمر فلن تجد إلا الوحدة والكآبة ..
السعيدة حقا في ذلك اليوم كانت عائشة؛ لأول مرة منذ تسع سنوات تحلت بثوب جميل وعقصت شعرها. وكانت ترقب ابنتها التي تبدت كقبضة من نور بعينين حالمتين، فإذا غلبها الدمع أخفت عنها وجهها الشاحب الذابل. وقد لمحتها أمها مرة وهي تبكي، فنظرت إليها معاتبة وهي تقول: لا يصح أن تترك نعيمة البيت وفي قلبها حزن!
فانتحبت عائشة قائلة: ألا ترينها وحيدة في هذا اليوم لا أب ولا أخ؟
فقالت أمينة: البركة في أمها، ربنا يخليها لها، وهي ذاهبة إلى خالتها وعمها، ولها بعد ذلك الله خالق الملك كله ..
فجففت عائشة عينيها وهي تقول: ذكريات الأموات الأعزاء تغمرني من طلعة الصبح، ووجوههم تلوح لي ، ثم إنني بعد ذهابها سأبقى وحيدة ..
فقالت أمينة في عتاب: لست وحيدة ..
وكانت نعيمة تربت خد أمها وتقول: كيف أستطيع أن أغيب عنك يا ماما؟
فتجيبها عائشة بحنان وهي تبتسم: سيعلمك بيت زوجك كيف تستطيعين!
Неизвестная страница