وإن قال قائل إنا نرى الشىء القليل ينفذ فى الماء الكثير حتى يستولى على كليته مثل الزعفران يصبغ قليله كثيرا من الماء، فنقول إن انصباغ الماء الكثير بالزعفران القليل لا يخلوا من وجهين، إما أن يكون الصبغ الحادث فى الماء غير موجود إلا فى الأجزاء الزعفرانية وأجزاء الماء بحالها، وإما أن تكون أجزاء الماء استحالت أيضا فى نفسها إلى الصبغ كما تستحيل إلى الحر والبرد والرائحة لا أن جوهرا داخلها إما استحالة إلى صبغ حقيقى وإما استحالة إلى صبغ خيالى، أعنى بالخيالى كما يرى على سطح الماء شبح شىء يلقى فيه غير محاذ للبصر وكما يتخيل من الماء أنه على لون إنائه، وذلك مما إذا كثر وعم أرى جميع وجه الماء بذلك الصبغ وهو فيه قليل، فإن كان هذا الانصباغ على مقتضى القسم الأخير فلا منفعة لهذا الاعتراض فى الغرض لأن الماء يكون قد استحال أو تشبح لأن الصبغ القليل نفذ فى كله، وقد يستحيل كثير المقدار من كثير القوة قليل المقدار، وبالجملة إن كان حال الهواء فى استحالته عن الأشعة هذه الحال عرض ما سلف منا منعه ووجب أن تكون الأشعة إذا كثرت جدا ازداد الهواء استحالة نافعة فى الإبصار، وإن كان على سبيل التأدية دون الاستحالة وطبيعة الهواء مؤدية للأشباح إلى القوابل فليؤد أيضا إلى الأبصار، وإن لم يكن على مقتضى القسم الثانى بل على سبيل القسم الأول فإنا لا يمكننا أن نشك فى أن الماء متجز بين أجزاء الزعفران، والزعفران متجز بين أجزاء الماء، وأن أجزاء الماء لا محالة أعظم حجما من أجزاء الزعفران، وأن بين كل جزئين من أجزاء الزعفران متواليين مياها صرفة وأن هذه المياه الصرفة فى أكثر المواضع التى بين جزئى الزعفران أعظم كثيرا من أجزاء الزعفران حتى تكون نسبة الأجزاء إلى الأجزاء - إذا أخذت واحدا إلى الآخر- كنسبة الكل إلى الكل، فإذا كان كذلك كانت مقادير أجزاء الزعفران صغارا ولم يجز أن تستولى على الماء كله فما كان ينبغى أن ينصبغ الماء بالكلية،
Страница 127