يزدها سوءا. وقد أفلح العرب في حماية البلاد من الخارج من غزو الترك، أحسن مما أفلح في ذلك ملوك الساسانيين. ولم يتدخل العرب كثيرا في الأمور الداخلية، بل تركوا إدارة البلاد في أيدي المرازبة والدهاقنة، وأيضا ظلت السلطات المحلية السابقة في المدن العسكرية العربية، وفي حواضر الدولة باقية إلى جانب السلطات العربية. وكان للسلطات المحلية جباية الخراج بنوع خاص، وكانت هي المسؤولة أمام الفاتحين عن دخوله بيت المال على المقدار الصحيح، المتفق عليه، أما سواد الشعب البائس الذي كان عليه أن يدفع فلاشك أنه لم يكن يدفع من الخراج في عهد الساسانيين أقل مما كان يدفع في عهد العرب. هذا إلى أن العرب لم يتدخلوا في المسائل الدينية للأعاجم، فقد كان الأساس في المعاهدات التي يفرض فيها دفع إتاوات أن يبقى أهل البلاد على دينهم، بل كان للأعاجم أن يبقوا على دينهم حتى في المدن التي كان يسكنها العرب"١.
ولكننا لا ننكر أن العرب فرقوا بين أنفسهم وبين أهل خراسان، إذ كانت السلطة بأيديهم، وكانت المناصب الأساسية لهم. وهذه السياسة على ما فيها من مجافاة لتعاليم الإسلام، ومنافاة لمبدأ العدل والمساواة بين الناس، الذي نادى به الإسلام، فإنها تبدو طبيعية، لأن الفاتح الغالب له السيادة والنفوذ، وله أرفع الوظائف، وهو دائما لا يستعين إلا بأبناء جلدته، وإلا بمن يثق فيهم، ويطمئن إليهم من أهل البلاد المفتوحة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن تلك السياسة العربية تبدو طبيعية مع ظروف العرب السياسية والفكرية في الفترة الأموية٢. على أن أهل خراسان كانت لهم فرقة خاصة في الجيش العربي، كان لها في قادتها، وكانت تشترك مع العرب في غزوها وراء النهر، ومجاهدة الترك. ومن أشهر قادتها حريث بن قتبة٣ وأخوه ثابت٤، وحيان النبطي٥، وابنه مقاتل٦.
_________
١ تاريخ الدولة العربية ص: ٤٦٨- ٤٦٩.
٢ الجذور التاريخية للشعوبية، للدكتور عبد العزيز الدوري ص: ١٦٠.
٣ الطبري ٨: ١٠٢٧، ١٠٨٢، ١١٥٠.
٤ الطبري ٨: ١٠٢٣، ١٠٨١، ١١٥٠.
٥ الطبري ٨: ١٢٠٤، ١٢٠٣، ٩: ١٣٠٠، ١٥٨٢.
٦ الطبري ٧: ٦٥، ١٨٩، ٩: ١٢٨٦، ١٣٣٠، ١٩٩٨.
1 / 76