وأخطر ما يسجل على العرب أنهم لم يعملوا على تحسين نظام الضرائب، ولم يهدموا الفوارق الطبقية بين الدهاقين وجماهير الفلاحين والحرفيين. ويجب أن لا يحتج لهم بأنهم لم يبتدعوا ضرائب أخرى، وبأنهم لم يزيدوا قيمة الضرائب التي فرضوها على امتداد وجودهم بخراسان، ولا بأنهم لم يتدخلوا في الأحوال الاجتماعية لأهل خراسان، لأن الخطأ لا يسوغ بمثله، بل يصحح بإلغائه، وبإيجاد نظام سليم بديل منه. ولو أصلح العرب النظم المالية، وخففوا الضرائب على الزراع والصناع، وساووا بين الطبقات، لما أسرع بعض الخراسانيين إلى الانضمام إلى دعاة العباسيين، ولما تكتموا على أخبارهم وتجمعاتهم وتحركاتهم، ولما قاتلوا بني أمية معهم، ولما أدالوا منهم لبني العباس.
وعسى أن يعطي ما قدما صورة واضحة بعض الوضوح عن خراسان وأقاليمها ومدنها، وعن فتح العرب لها، وولاتهم عليها، وسياستهم الداخلية، وغزواتهم الخارجية، وعن عدد العرب بها، ومنازلهم فيها، ووسائل رزقهم وتنظيمهم السياسي والعسكري، وما نشب بينهم من خلافات وتكتلات ومصادمات، وعن صلتهم بالأعاجم، ومعاملتهم لهم.
1 / 77