من يستقرئ تاريخ الحكم العربي لخراسان في العصر الأموي يستخلص ما قرره ابن قتيبة، فقد كان أهل خراسان، وادعين طائعين لولاتهم، فلم يثوروا عليهم، ولم يثبوا بهم، كما أن الولاة كانوا بدورهم يجنحون إلى سياسة هينة لينة، لا استبداد فيها ولا استعباد ولا اضطهاد.
ولعل أحدا من الدارسين لم يحكم حكما عادلا على العلاقة بين العرب وسكان خراسان مثل فلهاوزن. وهو حكم لم يتعجل فيه، ولم يطلقه مستندا إلى بضعة من الأخبار اختطفها اختطافا، مثل فان فلوتن، وإنما أصدره بعد أن توفر على دراسة تاريخ العرب في العصر الأموي زمنا، وعكف على المصادر والأصول حينا، فجاء حكمه لذلك دقيقا منصفا. وهو يقول:
"لم يكن العرب والأعاجم منفصلين في الحياة الظاهرة. وقد بقي في مدن الجيوش العربية مثل نيسابور، وأبيورد، وسرخس، ونسا، ومرو الروذ، وهراة سكانها الأصليون، أما القلاع والحصون فاحتلها الفاتحون. وأيضا لم يظل العرب متجمعين في نقط قليلة خاصة لهم، وهم لم يكونوا يعيشون فقط في المدن التي كانوا قد اختاروها لتكون بمثابة مستعمرات حربية، بل كانت لهم أملاك وضياع، وأهل في القرى، ومنهم من كانوا يقطنون هناك خصوصا في واحة مرو الشاهجان. وكان للعرب بطانة وموال من الأعاجم، كما أنهم تزوجوا نساء أعجميات. وقد تأقلم العرب في وطنهم الجديد، وكانوا يشعرون أنه لا فرق بيهم وبين أبناء البلاد في الوطن المشترك بينهم، فكانوا يحسون أنهم خراسانيون، وكانوا يلبسون السراويل، كما يلبسها أهل خراسان، وكانوا يشربون النبيذ، ويحتفلون بعيد النيروز والمهرجان، وأخذ أشراف العرب يظهرون بمظهر المرازبة وأسلوبهم في الحياة، وكان الاشتراك في الحياة العلمية مما دعا إلى التفاهم بين العرب والأعاجم، حتى كانت الفارسية في الكوفة والبصرة لغة يتكلمها الناس في السوق، كما يتكلمون العربية على الأقل.
كذلك لم يقف الأعاجم من جانبهم إزاء العرب في خراسان كتلة واحدة، ولا هم وقفوا من العرب موقف العداء أو النفور، ولم يكن تأثر الأعاجم بعملية المزج بين العنصرين أقل من تأثر العرب بها، وخصوصا أن الفتح لم يغير أحوال المغلوبين، وهو لم
1 / 75