والصحيح في حد المجاز أن يقال هذا اللفظ المستعمل ولا يقال هو استعمال اللفظ كما تقدم تقريره، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء في الإطلاق، والعبارة الأخرى قليلة في استعمالهم، وقولي فيا لعرف الذي وقع به التخاطب لأن اللفظ إنما يكون مجازًا بالنسبة إلى وضع مخصوص فإن لم يكن الخطاب باعتباره لا يتحقق المجاز كما تقدم تمثيله، فإنه قد يكون حقيقة باعتبار وضع آخر، والعلاقة لا بد منها وإلا كان منقولًا كجعفر فإنه النهر الصغير لغة ووضع للشخص المخصوص وليس مجازًا فيه لعدم العلاقة، وكذلك جميع المنقولات، وقولي بحسب الواضع أريد بالواضع اللغة والشرع والعرف العام والخاص.
وبحسب الموضوع له إلى مفرد نحو قولنا أسد للرجل الشجاع، وإلى مركب نحو قولهم:
أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كر الفداة ومر العشي
فالتفردات حقيقة وإسناد الإشابة والإفناء إلى الكر والمر مجاز في التركيب، وغلى مفرد ومركب نحو قولهم أحياني اكتحالي بطلعتك فاستعمال الإحياء والاكتحال في السرور والرؤية مجاز في الإفراد وإضافة الإحياء إلى الاكتحال مجاز في التركيب فإنه مضاف إلى الله تعالى.
المجاز المفرد هو ن يكون فظًا موضوعًا (١) لمعنى مفرد فتحوله عن ذلك المفرد إلى مفرد آخر وتستعمله فيه فإن لفظ الأسد لمعنى مفرد وهو الأسد؛ فاستعماله في الرجل الشجاع وهو مفرد فكان المجاز مفردًا، وأعني بالمفرد ما ليس فيه إسناد خبري، والمجاز في التركيب أن يكون اللفظ في اللغة وضع ليركب مع لفظ معنى آخر فيركب مع لفظ غير ذلك المعنى فيكون مجازًا في التركيب كما تقول لفظ السؤال وضع ليركب مع لفظ من يصلح للإجابة نحو سألت زيدًا، فلما ركب مع لفظ القرية التي لا تصلح للإجابة كان مجازًا في التركيب، ومن ذلك: غرق في العلم، وإنما يغرق في الماء، وأكلت الماء وإنما يؤكل الطعام وعلفتها ماء (٢) وإنما يعلف التبن والشعير وقوله تعالى «حرمت عليكم أمهاتكم» (٣) الآية. الجميع مجاز في التركيب لأن التحريم
_________
(١) في المخطوطة: هو أن يكون لفظه موضوعًا.
(٢) ومنه قول الشاعر: ... علفتها تبنًا وماءً باردًا ... حتى غدت همالة عيناها
(٣) ٢٣ النساء.
1 / 45