بالجنة وهم قد أمنوا، يقولون إن الإيمان الذي هو التصديق صدر منهم، ولكن الشرع نقل هذا اللفظ على الطاعات وهم صدقوا وما أطاعوا في أمر الخلافة، فإذا قلنا إن الشرع لم ينقل استد هذا الباب الرديء، ولقوله تعالى «قرآنًا عربيًا» (١) وهذه الألفاظ موضوعة في القرآن فلو كانت منقولة لم يكن القرآن كله عربيًا، وفي هذه المواطن مباحث كثيرة مستوعبة في شرح المحصول.
وأما الحقيقة العرفية العامة فهي التي غلب استعمالها في غير مسماها اللغوي، فإن الدابة اسم لمطلق ما دب فقصرها على الحمار في ارض مصر أو الفرس بأرض العراق وضع آخر، وهو حقيقة عرفية مجاز لغوي، وكذلك لفظ الغائط اسم المكان المطمئن من الأرض لغة ثم نقل للفضلة المخصوصة، والرواية اسم للجمل نقل للمزادة (٢) وهي قسمان تارة يقع النقل لبعض أفراد الحقيقة اللغوية كالدابة، وتارة لأجنبي عنها كالنجو والرواية، والعرفية الخاصة سميت خاصة لاختصاصها ببعض الطوائف بخلاف الأولى عامة مثل الجواهر والعرض للمتكلمين، والنقض والكسر للفقهاء، والفاعل والمفعول للنحاة، والسبب والوتد للعروضيين.
والمجاز استعمال اللفظ في غير ما وضع له في العرف الذي وقع به التخاطب لعلاقة بينهما، وهو ينقسم بحسب الوضع إلى أربعة مجازات لغوي كاستعمال الأسد في الرجل الشجاع، وشرعي كاستعمال لفظ الصلاة في الدعاء، وعرفي عام كاستعمال لفظ الدابة في مطلق ما دب، وعرفي خاص كاستعمال لفظ الجوهر في النفيس.
لما تقرر أن الحقائق أربع كانت المجازات أربعة؛ فلفظ الدابة إذا استعمل في مطلق ما دب كان حقيقة لغوية مجازًا لغويًا، وإذا استعمل في الحمار كان حقيقة عرفية مجازًا لغويًا لأنه استعمال له في غير ما وضع له، ولفظ الصلاة إذا استعمل في الدعاء كان حقيقة لغوية مجازًا شرعًا لأنه استعمال في غير ما وضع له باعتبار الوضع الشرعي، وإن استعمل في
الأفعال المخصوصة كان حقيقة شرعية مجازًا لغويًا، وكذلك القول في لفظ الجوهر وكل ما يعرض من هذا الباب.
_________
(١) ١١٣ طه.
(٢) إزادة في الأصل: الراوية التي تملأ بالماء. قال أبو عبيد: لا تكون إلا من جلدين فأم بجلد ثالث بينهما.
1 / 44