إنما وضع ليركب مع الأفعال دون
الذوات، وعلى هذه الطريقة يفهم مجاز التركيب. فقولهم أحياني أراد به سرني وهو من مجاز التشبيه، لأن الحياة توجب ظهور آثار في محلها وبهجته وكذلك المسرة، فأطلق على المسرة لفظ الحياة للمشابهة. وقوله اكتحالي يريد رؤيتي؛ عبر بلفظ الاكتحال عن الرؤية من مجاز التشبيه. لأن العين تشتمل على الكحل كما تشتمل على المرئي فلما تشابها أطلق لفظ أحدهما على الآخر مجازًا.
فهذا هو مجاز الإفراد، وجعل الاكتحال فاعلًا بالإحياء مجازًا ي التركيب لأن الإحياء لا يصدر عنه ولا يركب معه فلم يقل أحياه الكحل حقيقة وإلا لكان من مات يوضع في عينه الكحل فيعيش، فإذا قلت أحياه الله تعالى كان حقيقة في التركيب؛ لأن اللفظ ركب مع اللفظ الذي وضع للتركيب معه، ولا فرق في هذا الموضع بني الفاعل والمفعول والمضاف وغرها، فسرج الدار مجاز في التركيب وباب الدابة مجاز في التركيب، إلا أن تريد مطلق الإضافة لا أن الدار لها سرج تركب به، فإنه قد يقال سرج الدار باعتبار أنه موضوع فيها فتكون الحقيقة في التركيب.
وبحسب هيئته إلى الخفي كالأسد للرجل الشجاع والجلي الراجح كالدابة للحمار.
الخفي هو الذي لا يفهم إلا بقرينة توجب الصرف عن الحقيقة إليه والجلي هو الذي لا يفهم من اللفظ إلا هو حتى تصرف القرينة عنه إلى الحقيقة فلا يفهم اليوم من الصلاة إلا العبادة المخصوصة في وقتنا هذا حتى تصرفنا القرينة إلى الدعاء، وكذلك الدابة لا يفهم منها إلى الحمار حتى تصرفنا القرينة إلى مطلق ما دب. فهذا هو المجاز الراجح، وهو كله حقيقة إما شرعة أو عرفية.
وهنا دقيقة وهي أن كل مجاز راجح منقول وليس كل منقول مجازًا راجحًا فالمنقول أعم مطلقًا والمجاز الراجح أخص مطلقًا.
المجاز الراجح منقول إما في الشرع كالصلاة أو في العرف العام كالدابة أو
1 / 46