وصدر مجرور بالإضافة، والرمح: مجرور بالإضافة إلى صدر، معتقل: مجرور أيضا على الصفة، فهو صفة بعد صفة لذي، بمثله: جار ومجرور، والهياب: في موضع جر بالإضافة، وهي ترجع إلى الرمح، والجملة في موضع نصب على أنه مفعول لاسم الفاعل، وهو معتقل، كأنه قال: معتقل بمثله، غير هياب: مجرور على أنه صفة لمعتقل، فإن قيل: كيف وصفت النكرة بالمعرفة، فالجواب أنّ غير لا تتعرف بالإضافة إلاّ إذا وقعت بين متضادّين، وكانا معرفتين / كما تقول: عجبت من قيامك غير قعودك، أو عجبت من [٢٤ ب] الحركة غير السكون، وهيّاب لم يضاد معتقلًا، فغير نكرة هنا مع وجود الإضافة، ولا وكل: الواو عاطفة، ولا حرف نفي، وغير للنفي، فعطف النفي على النفي، وكِل: مجرور بالعطف على هياب.
المعنى: وصاحب قامة معتدل مثل صدر الرمح معتقل برمح، غير جبان، ولا عاجز، أخذ يصف صاحبه، ويعدد ما هو عليه من كمال الخَلق والخُلُق والصفات التي تُطلب من رفاق السفر بالليل من الشجاعة والإقدام، وغير ذلك، والتفت إلى هذا، وترك ما كان يذكره من حال نفسه ومقامه ببغداد، وغربته وفقره، وعدم أصحابه، وعكس مقاصده إلى وصف الرفيق، والالتفات من عادة البلغاء، يلتفتون من فن إلى فن، ومن أسلوب إلى أسلوب كعادة العرب في كلامها، وهذا الذي فعله المصنف يسمى الاقتضاب، وهو نوع من الالتفات.
واعلم أنَّ ابن الأثير ﵀ يقول: إنّ الالتفات إنما يكون من الغيبة إلى الحضور، وعكسه، وليس كذلك، بل هو أعم من ذلك، وأرباب البلاغة يسمون الالتفات شجاعة العربية، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: الرجوع من الغيبة إلى الخطاب، وبالعكس، كقوله تعالى: [الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] (١) الآيات، ثم قال: [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] (٢)، انتقل من الغيبة إلى الخطاب. والثاني [اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ] (٣)، انتقل من الخطاب إلى الغيبة.
القسم الثاني: الرجوع من الفعل المستقبل إلى الأمر، فالأول كقوله تعالى: [إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ /بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ] (٤)، [٢٥ أ]
_________
(١) الفاتحة: ٢
(٢) الفاتحة: ٥
(٣) الفاتحة: ٦، ٧
(٤) هود: ٥٤
1 / 43