فإذا علم الحاكم ما يحتاج إليه من الأصول والفروع؛ لم يخرج كلما يرد عليه من أن يكون حكمه وقياسه في أصول الكتاب وفروع السنة؛ إما شيئا ناطقا قائما قد حكم به المجمل المؤصل، وبينه الفرع المفصل، فيحكم فيه بحكمهما، ويحتذي العالم فيه بوجههما(1)، فإن عدم لفظ ما يأتي من الحكم(2) والفتيا، من أن يكون في المجمل أو المفصل منصوصا مفسرا؛ لم يعدم قياسه والدليل عليه، حتى يقف بالمثل على مثله، ويعرف الشكل في ذلك بشكله، ويقيس ما أتى من ذلك على أصله؛ لأن أصل كل حق وهدى، وقياس كل حكم أبدا؛ ففي الكتاب والسنة موجود، يستخرجه العالم بعقله(3)، ويستدل على قياسه بمركب لبه، حتى يتبين له نوره، وتشرع له طريقه، ويصح له قياسه على الحق الذي في الكتاب، تشهد له بذلك شواهد(4) القرآن، وتنطق له بالتصديق السنة في كل شأن. فيكون العالم في علمه، واستخراجه لما يحتاج إليه من حكمه، من كتاب الله وسنته؛ على قدر ما يكون من صفاء ذهنه، وجودة تمييزه، واستحكام عقله، وإنصافه للبه، وجودة تمكن علم الأصول في قلبه، وثبات علم الكتاب والسنة في صدره، الذين عليهما يقيس القايسون، (وبهما يحتذي المحتذون، وإليهما يرجع الحاكمون، ومنهما يقتبس المقتبسون)(5)، وإليهما عند فوادح النوازل يلجأ العالمون.
Страница 674