فإذا كملت معرفة العالم بأصول العلم المعلوم، وصحت معرفته بفهم غامض الشرائع المفهوم، فكان لعلمه به، واستدراكه لغامضه وجودة دراسته(1)، وإحاطته بباطنه وظاهره قاهرا بحول الله وقدرته لما يرد عليه من متشابهه، عارفا بما يحتاج إليه من قياسه، مضطلعا بتمييز فروعه، بصيرا بتفريع أموره. فكلما ورد عليه من ذلك وارد أصدره باستدراكه له مصدره. فصعب العلم على من كان كذلك سهل يسير، وغامضه عنده والحمدلله بين منير، لا يشتبه عليه فيه شبهان، ولا يستوي في الحكم عنده منه ضدان، يميز مميزاته بعقله، ويفرق مفترقاته بلبه، ويجمع مجتمعاته بفهمه، قد أحكمته في ذلك التجربة(2)، وأعانته على ذلك الخبرة(3)، فكلما ورد عليه فرع من الفروع رده إلى أصله، وكلما ورد عليه شيء من متشابهه(4) بينه بالرد له إلى محكمه، لا يغيب عمن وهبه الله علم كتابه، وفهمه(5) معاني سنته؛ موضع حاجته، ولا مكان فاقته؛ من حلاله وحرامه، وما يرد عليه من مفترق القضاء عند ورود مزدحمات المسائل على قلبه، ومتراكمات النوازل على فهمه. فكلما ورد عليه من ذلك وارد فادح، أو قدح في قلبه منه عظيم قادح؛ اعتمد في (فصله، و)(6)قطع مشتبهات أمره؛ على الأصول المحكمات في قلبه، والفروع المتفرعات في صدره؛ من الكتاب والسنة، فأنار(7) له بعون الله وفضله نور الحق وصدقه، وصح(8) له برهان الحكم وحقه، فقال في ذلك بقول أصيل، واستدل منه على الحق بأفضل دليل.
Страница 675