الحديثُ مِنْ حيثُ هو حديثٌ لا يخلو عن أحدِ أمرينِ: إمّا أنْ يكونَ مقبولًا، أو مردودًا.
الثاني: الضعيفُ بأنواعهِ، ذكرهُ هنا بحسبِ التقسيمِ إجمالًا، ثم يفصلهُ بعدَ ذَلِكَ، ويذكرُ أقسامهُ، وأوهاها الموضوعُ، والأولُ إما أنْ يشملَ مِنْ أوصافِ القبول على أعلاها، أو أدناها، فالأولُ: الصحيحُ، والثاني: الحسنُ (١)، فإنْ قيلَ: لِمَ خصَّ المقبولَ بالتقسيمِ هنا؟ قيلَ: لأنّهُ الأصلُ، ومدارُ العملِ عليهِ، والحاجةُ تدعو فيهِ إلى الترجيحِ بخلافِ المردودِ، فإنا إذا علمنا حديثًا ضعيفًا تركنا العملَ بهِ، فإنْ كانَ موضوعًا فهوَ في التحقيقِ ليسَ مِنْ هذا العلمِ؛ لأنّهُ ليسَ مِنْ كلامِ النبي ﷺ، ومعَ ذلكَ فسيأتي الكلامُ على بقيةِ أنواعِ الضعيفِ، كالمقلوبِ والمضطربِ.
وعبارةُ ابنِ الصلاحِ: «الحديثُ عندَ أهلهِ ينقسمُ إلى صحيحٍ وحسنٍ وضعيفٍ» (٢) فوافقهُ الشيخُ في البداءةِ بالصحيحِ؛ لأنّهُ المقصودُ بالذاتِ (٣)، وقدّمَ الضعيفَ على الحسنِ لأجلِ الوزنِ.
وأيضًا فلهُ نكتةٌ حسنةٌ، وهي أنّهُ قسَّمَ الخبرَ إلى القسمينِ، ثمَّ فرَّعَ عن الأولِ نوعًا آخر، ويزدادُ هذا التوجيه حسنًا عندَ منْ جعلَ الحسنَ مِنْ أنواعِ الصحيحِ كابنِ خزيمةَ (٤)، فإنّهُ على طريقتهمْ إنَّما ذكرَ القسمينِ: المقبولَ، والمردودَ.
_________
(١) في (ك): «الحسن لذاته».
(٢) معرفة أنواع علوم الحديث: ٧٩.
(٣) من قوله: «وعبارة ابن الصلاح ....» إلى هنا لم يرد في (ك).
(٤) هذا مما استفاده البقاعي من شيخه الحافظ ابن حجر، وقد علقت على هذه المسألة عند تحقيقي لكتاب مختصر المختصر، فقلت في المقدمة ١/ ٧٢: «ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه النكت: أنَّ ابن خزيمة لا يفرد الحسن عن الصحيح، وتبع ابن حجر بعضهم على ذلك. والذي يبدو لي أنَّهُ لا ينبغي للحافظ ابن حجر أن يذكر مثل هذا لاسيما وأن قضية الحكم على الأحاديث بالحسن أو الصحة قضية اجتهادية تختلف أنظار المحدِّثين فيها، ومع ذلك فقد قمت باستقراء الأحاديث الحسان التي في كتاب ابن خزيمة، ثم سرت هناك أرقامها، وقد بلغت
(١٥٢) حديثًا.
1 / 75