وسبب فشل المصريين وعدم ميلهم الفطري للاتحاد هو - على ما أرى - ناشئ عن تشعب أجناس أمهاتهم؛ فابن الفرنسية يحب فرنسا، وابن الزنجية يذكر خصب السودان، وابن العربية يفتخر بمحتده، وولد المغربية لا يفتأ يذكر بلده، وهكذا أضعنا وطنيتنا المصرية عن طريق المصاهرة بالأجانب.
ثم أجدني محقة إذا قلت إن الدم يحن لنوعه؛ فإذا تكافأ الرجل والمرأة في العلم والتربية وكانا مصريين مثلا؛ فإن الحب بينهما يكون أصدق وأمتن منه لو كانا مختلفي الجنس والمذهب. فإذا أراد الأديب (الخانقاه) أن يختار لنفسه حليلة غير مصرية فليكن ولكل امرئ ما يرى، ولكن ليتذكر أخته وابنته وبنات عمه وقريباته فسيكون نصيبهن من غيره نصيب غيرهن منه، والسلام. (4) مدارسنا وفتياتنا
رد على من ذكرت أسماؤهم في هذه المقالة. •••
لم يكن يدور بخلدي ساعة كتبت موضوع (ما ذنبنا) أن يخطئ فهمه أحد؛ لأنه من السهولة ووضوح الغاية بحيث لا يتعذر تفسيره ، ولكن ظهر لي من كتابة الكاتب في جريدة (لابورص إجبسيان)، ومن كتابة التركية (على الهامش)، أنهما ذهبا في واد وأنا في واد.
أما جواب السيدة التركية فإنه يكفي لأن يقرظ نفسه، ولا أقول فيه أكثر من ذلك؛ لأنه دل على مبلغ أخلاقها ودرجة ألمها، على أني أشكر لها حميتها ودفاعها عن نساء جنسها وألتمس لها بعض العذر على حدتها؛ لأن المسيو (أودولف) أهاج كامن عواطفها، ولكني لا أرى له هو رأيا أن يجرح عواطف إخواننا (أولاد الذوات)، ولا أجيز له أن يؤول مقالتي تأويلا لم أرده؛ فقد ذكر أني قلت: «إن الغربيات لا يصلحن لإدارة البيوت.» وهو يعلم أن هذه العبارة لم ترد البتة فيما كتبت، وإن ظني بأن الكاتب لا يعرف العربية أو أن الذي ترجم له كلامي لم يحسن له الترجمة يجعلني أحمل تهكمه وخروجه عن الموضوع على محمل حسن.
أما الفاضل (المتحرج من الزواج) فقد صدق في كثير مما قاله عمن يدعون أنفسهن بالمتعلمات ولسن من العلم ولا من التهذيب في شيء، وأضر ما يكون هؤلاء إذا تزوجن؛ لأن المتزوجة عليها واجبات شتى، وعلى قدر الواجب تكون المسئولية وهؤلاء لا يدرين حقوقهن إزاء الزوج ولا فن تربية الأولاد ولا كيفية معاملة الخدم وو ... إلخ، مما يجب معرفته، ويراهن - على جهلهن هذا - شامخات بأنفهن نحو السماء ويحسبن الاشتغال بلوازم البيت حطة لمقامهن؛ فيقضين وقتهن بين حديث خرافة وخروج في الشوارع! وهن على العموم أكثر النساء إسرافا وتبذيرا، فضلا عن البهرجة وقلة الحياء؛ فلا علما أتقن حتى تتهذب نفوسهن، ولا على تربية منزلية محضة درجن حتى يعلمن على الأقل طبخ عشاء بسيط إذا تركتهن الطاهية يوما ما.
وهذه الفئة الجاهلة الدعية في العلم هي ولا شك فئة خريجات مدارس الراهبات وكثير من المدارس الأهلية الأخرى. وقد خبرت مدارس البنات بأنواعها (ولا ينبئك مثل خبير)، وحسبك وقوفا على مبلغ علم هؤلاء أن تسألهن سؤالا بسيطا عن بعض ما يلقينه على مسامعك مثل الببغاء فلا يحرن جوابا، أما التدريس في تلك المدارس فهو على النظام الذي أخنى عليه الدهر أو محفوظ عن ظهر قلب، وليس فيه للتعقل أو المحاورة نصيب يذكر، ثم إن إحداهن لتسمعك تاريخ فرنسا ولا تكاد تأخذ نفسها من سرعة الإلقاء، وإذا سألتها عن عمر بن الخطاب أو صلاح الدين الأيوبي أو محمد الفاتح وأضرابهم من حماة الإسلام، قالت لك: لا أدري.
ومدارس البنات في مصر كلها خلا مدارس الحكومة الثلاث، لا أثر فيها إلا تظاهر بالعلم ورياء، وهي في اعتقادي لا تصلح مطلقا لتربية البنات المصريات؛ لأنها فضلا عن قلة بضاعة العلم فيها تجعل تلميذاتها على خلق غير ملائم لنا.
ومما يؤسف له أن القوم عندنا لا يفرقون بين الصالح وغير الصالح؛ فإذا أدخلوا ابنة لهم في مدرسة للحكومة، وأمرتها ناظرة المدرسة أن تلبس جلبابا مغطى الصدر والكمين مثلا أو تخلع حليها وقت الدرس؛ عدوا ذلك إساءة لابنتهم المدللة، وقطعوها عن المدرسة كما شاهدت مرارا.
نحن المصريين نحب الظهور والفخفخة بغير نظر إلى النفس وفضائلها، وهذا نقص في التربية يجب محاربته وإزالته، وأكثر الآباء وجميع الأمهات عندنا لا يقدرون من تعلم البنات إلا العزف على «البيانو» والرطانة؛ لأنهما ظاهران.
Неизвестная страница