آراء
خطبة في نادي حزب الأمة
خطبة في المقارنة بين المرأة المصرية والمرأة الغربية
قصيدة نسائية لباحثة البادية
باب التقاريظ
باحثة البادية والآنسة مي
آراء
خطبة في نادي حزب الأمة
خطبة في المقارنة بين المرأة المصرية والمرأة الغربية
قصيدة نسائية لباحثة البادية
Неизвестная страница
باب التقاريظ
باحثة البادية والآنسة مي
النسائيات
النسائيات
تأليف
ملك حفني ناصف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، (وبعد) فإني فكرت في جمع مقالاتي (النسائيات) وطبعها كتابا أقدمه للأمة المصرية الكريمة راجية أن تغفر لي زلة القلم فيه، فإني مبتدئة ولا يعدم المبتدئ أغلاطا، وعسى أن تقرأه الفتيات والسيدات المصريات فهو مذكر للائي غنين منهن بأصالة رأيهن وحسن تربيتهن عن استجداء النصيحة ومرشد للائي يسترشدنه.
لا أدعي فيه ابتداعا ولا إبداعا، فما هو إلا سلسلة مشاهدات وتجارب أثرت في؛ فدونتها ليتعظ بها غيري ممن لم تعركه الحوادث ولم تتيسر له التجارب، وما قصدت إلا النفع العام والدفاع عن المرأة المصرية المهيضة الجناح، ولعل الله يحقق هذا القصد ويشد أزرنا لما فيه إعلاء شأننا وتقوية الفضائل في أخلاق هذه الأمة بحسن القيام على تربية أبنائها، والله الهادي إلى الطريق القويم.
ملك حفني ناصف
Неизвестная страница
مقدمة
كان في الشتاء الأسبق أن نظارة المعارف أحالت ناظرة مدرسة السنية على مجلس التأديب لشذوذها عن حدود قانون النظارة، فكتبت وقتئذ كلمة في الجريدة استعطفت بها مجلس التأديب على تلك السيدة، وكان بعض ما استشفعت به لها أنها من الجنس اللطيف. شق هذا القول على سيدة فرنساوية سائحة في مصر وقتئذ، فأقبلت علي تعاتبني على قلة الحيطة التي اتخذتها في كلامي، وانبرت تقرر أن المرأة والرجل سيان في الحقوق والواجبات فيجب أن يكونا كذلك في المسئولية أيضا، وأن الذي يستشفع للمرأة بجنسها ليسيء إليها من حيث يريد الإحسان.
لم أكن قبل هذا الإلفات مترددا فيما للمرأة من الحقوق، ولا جاهلا بما يستتبع للحقوق من الواجبات، ولم أك ظنينا في دفاعي عن هذا الجنس مهضوم الحقوق في كل زمان وفي كل مكان حيث القوة غالبة على الحق، ولكني مع ذلك في تلك الحادثة، كانت كلمتي تشف عن رأيي في أن المساواة بين الرجل وبين المرأة لا يصح أن تقرر على إطلاقها، بل يجب أن تكون تلك المساواة محدودة في مصر بالحدود الطبيعية والشرعية معا. وشتان ما بين هذه الحدود الواسعة المدى، وبين الحدود الحاضرة التي وقفت عندها المرأة من زمن طويل بحكم قوة الرجل، لا بحكم قوة ضعفها الطبيعي، ولا بحكم الشريعة السمحاء.
لم تجرب إلى الآن المساواة المطلقة في جميع الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة، ولكن المساواة قد جربت في التربية المنزلية، وفي التربية المدرسية، وفي كثير من الحقوق الاجتماعية؛ فأتت بأعظم الفوائد والبركات على العائلة والجمعية الإنسانية معا. وأما التفريط في حق المرأة وعدم استخدام مكانتها على أنماط معلومة لمنفعة النوع الإنساني فقد أتى بالنتائج المحزنة المحسوسة.
إن المساواة المطلقة التي كانت ترمي إليها عاذلتي، ويوافق عليها كثير من النسائيين، إن جاز أن تكون غرض الأغراض ومنتهى الآمال في ترقية المرأة، فإنه لا يجوز الابتداء بها وتقريرها عندنا من اليوم مع أنها لم توجد ولم تجرب في أعلى الأمم حضارة، فإذا كنت قد استعظمت مجلس التأديب على ناظرة المدرسة، وجعلت جنسها اللطيف شفيعا لها في تخفيف المسئولية، فلم أخرج بذلك عن أن أكون مستقيم الإنتاج، ولم أنحرف عن أصول قوانيننا، ولا عن طبائع العمران.
إن قوانيننا الإنسانية لا تزال نصوصها تنم على فروق بين الجنسين، وإن المرأة طول عمرها الجنسي كانت ولا تزال مثال الجمال الإنساني، وموضوع تغني الشعراء ومباراة الرسامين والمصورين، كانت ولا تزال مناط سعادة الرجال، إليها ينتهي الأمل عند بعضهم، وفيها تودع الثقة وترجى المواساة عند الآخرين؛ فهي بجمالها محل للعطف، وهي بضعفها الخلقي أولى بالعطف، وهي بتواضع مركزها الاجتماعي وقلة مكافأتها على القيام بواجباتها أهل للعطف، فمن أي ناحية نظرت إليها وجدتها تستحق الحنان والعطف، فإذا كنت استشفعت لها مجلس التأديب فإنما جريت في ذلك على سنن بني آدم الماضية والحالية، وأخذت ما قلت من المشاهدة لا من الخيال، وإذا كانت السيدات النسائيات (اللاتي يرين تقرير المساواة بين الرجل والمرأة) لا يرضين بالتفريق بينهن وبين الرجال في درجات المسئولية أمام المحاكم والمجالس؛ فإني متفق معهن على الأقل في عدم محاباتهن في انتقاد ما يكتبن من الرسائل وما يهدين إليه من الآراء.
ومهما يكن من وجوه الخلاف في المساواة بين الرجل وبين المرأة في درجات المسئولية، وفي الحقوق والواجبات العامة، فإن من المحقق أن المرأة لم تسترد إلى اليوم شيئا كبيرا من المساواة المنشودة على أقل أقدارها في نظر القائلين بها، بل هي عندنا - على الخصوص - لا تزال مظلومة في حقوقها في العائلة وفي حقوقها في الجمعية المصرية، مظلومة في تقدير واجباتها الخاصة والعامة، لا من حيث ثقل تلك الواجبات في ذاتها، ولكن من حيث كونها أغلبها واجبات تحكمية صرفة، يضعها ولي أمرها لا بالتطبيق للشرع، ولا لقاعدة عامة معروفة، ولكن بالتطبيق لدواعي أهواء وعوامل غيرته.
فإذا كانت حقوق المرأة الطبيعية وحقوقها الشرعية يغمطها الرجال؛ فلا يراعون فيها تقاليد الأسلاف، ولا يراقبون فيها أوامر الدين، فإن النتيجة اللازمة عن ذلك هي تعطيل نصف الإنسانية عن كثير من الخدم المطلوبة منه، وهذا مع الأسف هو الذي كان.
لم تكن هذه النتيجة المحزنة كلها من ظلم الرجل، ولكن قعود المرأة الشرقية عن الأخذ بأسباب رقيها الثاني، ورضاها بالحظ الذي قسمته لها القوة في هذه القرون الأخيرة، وعدم محاولتها تلطيف أحكام القوة القاهرة، كل ذلك يجعل لها شركة بوجه ما في الضرر الذي حاق بها وبالمجموع من إهمال تربيتها.
غير أن مهضوم الحق - مهما سها عن السعي في استرداده - لا يعدم من نصراء الإنسانية مدافعا خالي الغرض ينصره من حيث لا يحتسب؛ فإن النساء عندنا لم يكن ليدور في خلدهن أن المرحوم قاسم بك أمين يقوم بالدفاع عنهن دفاعا أغضب منه كثيرا من الناس، بل أغضب منه بعض النساء اللواتي لا يردن الخروج من الحظيرة الصناعية التي احتظرها لهن رجال البأس لا رجال العلم.
Неизвестная страница
قام المرحوم قاسم بك بالدعوة إلى تربية المرأة على أصول التربية النافعة بشجاعة عديمة المثال، واقتفى أثره في ذلك بعض الكتاب، حتى انتبه هذا الجنس اللطيف وتولى بعض أعضائه الدفاع عن ذاته، وأول من سارت منهن في هذا الطريق هي باحثة البادية. نعم أولهن؛ لأنها أخذت تبحث في نسائياتها بحث الجاد الذي يعلق على بحثه نتائج كبرى لصلاح المرأة، بل لصلاح الجمعية الإنسانية. أخذت تكتب في الدفاع عن حقوق المرأة وتخطب فيما يجب لإصلاح المرأة، فكان مجموع رسائلها وخطبها هذه المجموعة التي نضع لها هذه المقدمة.
ولو صح نظري لكانت قاعدة بحثها في تحرير المرأة قاعدة الاعتدال، ورائدها في ذلك هو الشرع الإسلامي.
لقد أجادت باحثة البادية في جعل بحثها مرتبا على هذا النمط المعين؛ فإن الاعتدال في تعليم المرأة وتربيتها، وتقرير الحد اللازم أن تقف عنده في المساواة بينها وبين الرجل، الاعتدال في ذلك كله أمان من الزلل والوقوع في نتائج سيئة قد لا تكون أقل في سوء الأثر من نتائج خمول المرأة وقعودها عن السعي إلى كمالها الخاص. وإنا نكرر دائما أن المساواة المطلقة لم تجرب بعد؛ فأبصر بالباحثة إذ رأت تقرير المساواة المعتدلة والبعد عن الإطلاق الذي هو يخالف الدين من ناحية ويخالف الحيطة من ناحية أخرى!
أما الدين فإنه ملاك أخلاق المرأة ومناط آدابها وطريق كمالها وموجب الثقة بها، إن تقوى المرأة أكبر الأدلة على صونها ومعرفتها بالواجب وحسن قيامها به، إن شهود المرأة صلاة الجماعة في المسجد الجامع مرة واحدة أصلح لقلبها من سماع واعظ أخلاقي في الدار أو في المدرسة سنة كاملة.
وإن تقليد المرأة الشرقية لأختها الغربية نافع، ولكن هذا التقليد إلى اليوم ليس بحسنة جديدة ما دام أنه خلا من النوع الخاص بالدين؛ فإن الغربية تذهب إلى معبدها مرة في الأسبوع على الأقل، والمسلمة الشرقية لا تذهب إليه في مصر أبدا، كأن دخول بيت الله أثقل كلفة عليها وأبعد عن رضى وليها من دخولها في بيوتات التجارة وشهودها مراسح اللهو، إلا أن حضور النساء صلاة الجماعة على صورة لائقة ومن غير إسراف هو أول عمل حسي تأتيه المرأة لتقرب به مسافة الفرق بينها وبين الرجل ولتقرر به المساواة المنشودة.
إن رابطة الزوجية عندنا رابطة دينية محضة، ولا نعلم امرأة تحترم نفسها تستطيع أن ترتبط برجل إلا بهذه الرابطة الشريفة المقدسة، ومما نعجب له أن المرأة تعمل أعمالا كثيرة شاقة في سبيل توثيق هذه الرابطة، ولكنها لا تعمل الشيء الوحيد الذي يوثقها حقيقة، وهو القيام بفرائض الدين الذي عليه عقد الزواج، والذي هو المنظم الوحيد لعلاقات الزوجية، فمراعاته أساس لدوامها ومخالفته سبب لفصم عراها ونقض عقدة الزواج، ولو فطنت المرأة لأدركت أن تقوى الله والقيام بطاعته تكفي وحدها لثقة الزوج بها، وتمنع كل الشقاق الزوجي الذي يتولد عن الظنة والغيرة.
وقصارى القول: إن باحثة البادية قد أجادت كل الإجادة في أن جعلت أساس بحثها تقرير المساواة، لا على جهة الإطلاق، بل في حدود الاعتدال والدين.
فأما انتقاد رسائلها من جهة صناعة الكتابة فحسبي أن أقرر من غير محاباة أنها أكتب سيدة قرأنا كتاباتها في عصرنا الحاضر، بل هي تعطينا في كتاباتها صورة الكاتبات الغربيات اللاتي تفوقن على كثير من الكتاب، وليس نبوغ السيدة ملك حفني عملا من أعمال الصدفة، بل هو قضية علمية مقررة؛ لأن هذه الكاتبة من بيت علم وأدب، انتقل إليها من أبيها حفني بك ناصف بحكم الوراثة الطبيعية ذوق الكتابة وملكة الانتقاد الصحيح، فنما استعدادها بالتربية المدرسية والاجتهاد بعد المدرسة حتى وصل هذا الحد المتقدم.
ورجاؤنا أن تكون مجموعة الباحثة أول أبحاث السيدات في هذا العصر وليس آخرها، وأن تكون السيدة «ملك حفني ناصف» القدوة الحسنة للسيدات المصريات آمين.
أحمد لطفي السيد
Неизвестная страница
الإسكندرية في 18 يوليه سنة 1910
آراء
(1) رأي في الزواج وشكوى النساء منه
رد على ما كتبه حضرة مدير الجريدة في العدد 383 بعنوان: «بناتنا وأبناؤنا». •••
كتبتم حضرتكم في العدد (383) من الجريدة مقالة بعنوان «بناتنا وأبناؤنا» تستغربون فيها كثرة تشكي النساء من الزواج في هذا العصر مع قلة تزوج الرجل باثنتين، وقلتم فيها أقوالا صائبة حقيقية ، ولكنكم عجبتم من أن المرأة كان يرضيها من زوجها أن يعدل بينها وبين ضرائرها في الكسوة والمعاملة، وأنها إذا تزوج عليها كان يمنعها الوقار غالبا من أن تفتح قلبها بالشكوى إليه أو إلى ذوي قرابة منها بما تجده من الألم؛ نعم ذلك صحيح لا ريب فيه، ولكن له أسبابا أنتجت تلك النتائج، أولها أن الفتاة كانت إذا شبت وجدت والدتها تعيش مع ضرة أو أكثر، ورأت خالتها وعمتها على تلك الحال، وكذلك صويحباتها ومعارفها، فلم يكن ذلك بالشيء الغريب، فإذا جاء دورها وتزوجت من رجل له زوجة أخرى وجدت أنه لم يخرج عن المألوف، وأنه تابع لعادة أهل عصره ومصره؛ فلم يكن يحسن بها إذن أن تبدي شكواها من أمر عادي يأتيه كثير غير زوجها، ولو أنه يؤلمها في قلبها ويجرح عواطفها، وكذلك كانت التربية غير ما نراها اليوم؛ فبنات العصر الحالي، حتى الجاهلات منهن، يفهمن الحياة أكثر من أمثالهن الغابرات؛ فأصبحن لا ترضيهن الكسوة والطعام فقط كأحد خدم المنزل، ولكنهن يقدرن اليوم السعادة الزوجية أكثر من ذي قبل، ويعلمن أنه إذا لم يكن الحب أساس المعاشرة بين الزوجين فلا معنى للجمع بينهما يتنافران ويتشاحنان كأمثال الديكة الخرقاء. ومن اختلاف التربيتين القديمة والحديثة صفاء النية والمجاهرة بالقول والحرية فيه الآن، والخوف وشدة التكتم حتى على مضض العيش وذله قبل، حتى إن المرأة في زمن جداتنا كانت إذا أصابها ألم أو مرض تبالغ في كتمانه وتعد المرض - أيا كان نوعه - عيبا تجب مداراته، ولكن المرأة الجديدة على عكس ذلك تماما؛ إذ ترى أن كل شيء من هذا القبيل عادي، وأن ما يصيبها قد يصيب غيرها، فلا معنى لإخفاء أمر يصح أن يقع فيه الجميع. ولا يزال أثر هذا التباين في الحذر مشاهدا للآن ويكاد يكون محسوسا بين طبقة (بنات البلد)؛ إذ تعد الواحدة منهن من النقص أن تخبر زوجها بصداع قد يصيبها، أو تتوهم أنه يأنف منها ويعافها إذا وجدها راقدة في سرير الألم والانحراف! لا يزال التباين بين هؤلاء وبين الطبقة الجديدة (الألفرنكة) محسوسا، وهؤلاء لا يكتمن إلا ما يجب كتمانه على الوجه الصحيح، هذا كله راجع إلى تربية الوجدان واختلاف تلك التربية باختلاف الوسط والزمان. هذا من جهة المرأة وحدها، وهناك سبب لكثرة الخلاف والتذمر الآن يرجع إلى الرجل وحده وإليك البيان: رجال الأمس على جمعهم بين زوجات متعددات كانوا أتقى منهم اليوم، فرجل العصر (الشاب والكهل) تراه يتبجح بأن له خليلات، وأنه بجماله ورشاقة قده واهتزاز أعطافه يسبي ربات الحجال بما فيهن المحصنات، وقد يتقول حكايات لا أصل لها في هذا الموضوع مما تندى له الجباه. ولعمري إن الجمع بين زوجتين - على ما فيه - لأحسن من التهتك وانتهاك حرمة الدين وإيلام نفس المرأة وتنغيص حياتها، يا لله أليس لها قلب يتأثر وشعور يحس وعواطف تثور؟! وقد أصبح رجالنا بفضل هذا التفرنج يعدون من لا يشرب الخمر جهارا، ومن لا خليلة له يترامى على قدميها أو تترامى على قدميه (أنتيكه) في عرفهم؛ فلله درهم!
والأغرب من ذلك، أنك إذا ذكرت للشاب أو أبيه شيئا مما يأتيه أجابك هذه هي الحرية الشخصية (على كيفي)، أو قال: أنا رجل وليس علي عار في هذا. فلله أنت ولله أبوك! ائتني بآية من القرآن، أو إن كان القرآن عندك أيضا (أنتيكه)، فائتني بمادة من القانون الفرنسي الذي تقاليد واضعيه وأهله تحرم التهتك على النساء دون الرجال، وتجيز للآخرين الرذيلة وتمنعه الأول، إذا صح عندك إباحة السفاح لأنفسكم فأسهل منه، وحقكم أن نجيز لكم السرقة بأنواعها والقتل والسلب والتزوير إلى آخر ما يحرمه الشرع والقانون، وإلا فلماذا تختارون أكبر الرذائل وتعدونها سهلة لا إثم فيها وتأنفون إذا قلنا لكم: سرقتم؟!
لا أخالكم تتشدقون بقولكم عند النصح: (إنا رجال) إلا لأنه لا تظهر عليكم عوارض الخيانة بخلاف المرأة والفتاة فلهما من أحوالهما الطبيعية المختصة بهما ما لا يأمنان معه شر الفضيحة والعار، فإن زعمتم أن التقوى هي خوف النتيجة المحسوسة وأن الذمة والضمير لا يردعان ولا يمنعان المرء من إتيان المعاصي؛ فبعدا لما تزعمون وساء ما تتوهمون.
وليت هذا السلوك الفاصم لروابط الألفة بين الزوجين يقف عند هذا الحد، بل له عواقب أوخم من التذمر، وأسوأ من البغض، وهي شطط المرأة بباعث الانفعال والحزن أو الانتقام والخبث وخروجها متبرجة في الطرقات أو وقوعها في مهواة الرذيلة وسقوطها السقوط الأبدي، والعياذ بالله! وفي تلك الحال يلام الرجل لأنه شجعها على ما أتته بما يأتيه هو، وهي تعتقد أنها بشر مثله ويحق لها من الحرية الشخصية بقدر ما يحق له فضلا عن اعتقادها بأنه قدوتها، يبعث ظلم الرجال وسوء سيرتهم النساء إلى السقوط في الرذيلة فيسقطن إلا من عصم ربك، وهؤلاء تمنعهن تربيتهن الصحيحة وشرف مبادئهن عن الإخلال بالدين والآداب، ولكن يصبن في الغالب بحمى الدماغ أو الهستريا والجنون أحيانا، وتكثر همومهن ويعدمن لذة العيش، فيا للظلم! لماذا يشقى عضو من المجتمع الإنساني خلقه الله ليكون سعيدا؟! يشقى لاستبداد الرجل ويضحي بحياته ليتنعم الرجل، فإذا أردتم أيها الرجال أن ترفرف السعادة على بيوتكم فاختاروا الزوجة الملائمة، كل بحسب ما يرى؛ إذ (لكل امرئ فيما يحاول مذهب)، ولا تقيدوا أنفسكم بأفكار العجائز والمشيرين، ثم اسلكوا سبيل الجد في الحياة، فقد كفاكم هزلا أن استعبدنا للغير ونحن لاهون، واجعلوا من أنفسكم صراطا تتبعه زوجاتكم، فإن كنت أيها الرجل عاقلا فلتكن زوجتك مثلك، وإن كنت خليعا فامرأتك خليعة، وإن أسرفت أسرفت وإن فترت فترت، وهذا بحكم تأثير المعاشرة في الخلق، والعادة بالطبع ولإرضاء الزوج من جهة أخرى؛ لأن كلنا يعلم أن الملائمة هي أس الاتفاق، فإذا اجتمع عاقل بمجنون شقي والعكس بالعكس، فترى العقلاء معا فرحين والمجانين معا على أتم ما يكون من الجذل، وكذلك الحال في العلماء والجهال، وكل شيء له نقيض فإن الثعالب لا تتفق مع الدجاج، والجرذ لا يتوقع أن يكون أليفه الهر.
وفي المرأة صفة غريزية هي تقليدها الرجل؛ لأنها تعتقده مرشدها ومعينها أبا وزوجا. وقد ذكرني ذلك بمحادثة دارت بيني وبين سيدة إنكليزية، من صواحب اللادي كرومر أيام إقامتها بمصر، فسئلت تلك السيدة: «إني ألاحظ أن اللادي تترك التأنق في ملبسها شيئا فشيئا؛ فهل تعرفين سببا لذلك؟» فأجابت: «إنها تتعمده لتكون هيئتها أقرب إلى التقدم في السن منها إلى هيئة الشباب؛ لأن زوجها شيخ وتحب أن لا تسوءه بفكرة أنه مسن وأنها أصغر منه سنا بكثير.» ألا فلينتبه الرجال لذلك، وليتقوا الله في نسائهم وأعراضهم، وليعلموا أن التقوى مطلوبة في السر والعلن وأن الله يرى. يا قوم تداركوا الأمر قبل فواته، فإن كنتم ترضون لنظام بيوتكم بالاختلال، وللثقة بينكم وبين أزواجكم بالضياع ولأمنكم بالتأخر، فاستمروا على فسادكم. وإن كانت فيكم بقية غيرة وحمية وتحبون وطنكم كما تدعون؛ فأصلحوا أحوالكم تصلح حال نسائكم، ونقوا ورد بيوتكم من شوك الهم، وسنوا سنة صالحة لأبنائكم وبناتكم من بعدكم يكن لكم أجرها إلى يوم الدين، ولله عاقبة الأمور. (2) الحجاب أم السفور
رد على خطبة ألقاها حضرة عبد الحميد أفندي حمدي بشأن الحجاب. •••
Неизвестная страница
تتبعت خطبة الأديب عبد الحميد أفندي حمدي عددا عددا في الجريدة، فشكرت له اهتمامه بترقية المرأة، وأثنيت على اجتهاده وشجاعته الأدبية، وقد وجدت خطبته صحيحة المقدمات متينة المبنى، إلا أن لي رأيا أبديه فيها، وقد يمر بخلد أحد القارئين أننا ننتقد الخطيب حبا في النقد أو تمسكا بحب القديم وجمودا منا عليه، لكن الحقيقة لا هذا ولا ذاك، وكل امرئ حر في فكره، حر في قبول فكرة غيره أو رفضها حسبما يشاء، بشرط أن لا يضر ذلك الرفض أو القبول بالغير.
أما ما يرجوه الكاتب من تعليم المرأة تعليما صحيحا، فإني أوافقه فيه تمام الموافقة ويجب أن نحث غيرنا عليه بما نستطيع، وقد أصبح هذا القبول بديهيا لا يحتاج لأن أطيل فيه الكلام لا سيما وقد وفاه الخطيب حقه في خطبته؛ فجزاه الله عنا خير الجزاء. بقيت مسألة الحجاب، وهي تلك المسألة العويصة التي قامت من أجلها منذ سنين حرب قلمية عنيفة وضعت أوزارها على غير جدوى فلم يفز فيها (المحافظون) على القديم ولا (الأحرار).
ولست أنتقد اقتراح السفور من الوجهة الدينية؛ لأني أعلم أن الدين لم يحرجنا في هذه المسألة، كما بين ذلك حضرة الخطيب، ولا من الوجهة الاقتصادية فإن باقتراحه أن نلبس لباسا يضارع ما ترتديه الراهبات المسيحيات لتوفير كبير لما كنا عسانا نصرفه في تأنيق اللباس الخارجي كما يفعل نساء الفرنجة مثلا. كذلك لست أنتقده من الوجهة الأدبية فإن ذلك اللباس وبساطته لأليق بتأزرنا به من تلك الحبر المهلهلة، كما سماها الخطيب، ولأدل على حشمة صاحبته - وإن كانت سافرة - مما تلبسه الآن مبرقعة، وشتان بين هذا البرقع الوهمي والبرقع الصحيح.
إذن، لم يبق للموضوع إلا وجهة واحدة وهي الوجهة الاجتماعية، وإذا انتقدته من تلك الجهة فإني لا أقلد فيه ولا أتبع عادة رأي غيري، بل أصرح بما أشاهده عيانا، وبما أعرفه من أحوال شتى جربت فيها النساء المختلفات، والتجارب يجب أن تقدم أوامرها على أوامر البحث والتخيل؛ إذ هي لم تعدم بعد أن تترك أثرا في النفس لا يزول، أما التخيل فقد لا يطابق الحقيقة، وإن طابقها فقد لا يعلق كثيرا بالذهن؛ لأنه لا أثر إلا في المخيلة بعكس التجارب فأثرها يبقى على الحواس والذاكرة. فإذا نصحت طفلا أن لا يلمس النار لئلا تحرقه فإن ولعه بالحركة والاستكشاف لا يزال يغريه بلمسها حتى يفعل ولا تنفع نصيحتك له، أما إذا لمسها مرة وأحرقت أصابعه فإنه يبتعد عنها كلما رآها ولو أمر بلمسها. وعليه فلسنا متبعات رأي من يأمرنا بالحجاب ولا رأي من يقول بخلعه لمجرد أن هذا تعب وكتب، وذاك نقب وخطب، إلا إذا تبينا الرشد من الغي، وعلمنا من التجارب أولى الخطتين بالاتباع. وأمامنا الطبقات المختلفة والأجناس العديدة يجب أن نبحث كلا منها على حدته، ونجمع منها كلها حكما واحدا نحكم به على أنفسنا إما بالحجاب أو بالسفور، أو غير ذلك مما سنوضحه بعد. وطبقات النساء (كالرجال) في كل أمة ثلاث: العامة والخاصة والوسط، وأصحها آدابا فيها كلها على الإطلاق الوسط، ولا بد لذلك من سبب. نعم؛ السبب راجع إلى التربية؛ فالخاصة أو طبقة الغنيات يرخين لأنفسهن العنان في الملاهي والملاذ، والجدة مفسدة في الغالب خصوصا إذا اقترنت بالفراغ، وهؤلاء عندهن من الخدم من يقوم بشؤون بيوتهن وأمور أولادهن، وقد يعودن عيش الكسل والراحة.
والطبقة الدنيا تجد من حاجتها باعثا لها على طرق الطرق المختلفة لتجلب ما تسد به الرمق، ويختلط نساؤها برجالها في المصانع والمزارع وغيرها، وهذه الطبقة شر على الآداب في كل أمة حتى في الإفرنج، وهم ليسوا مقيدين بحجاب ولا عادة يقال معها إنهم لما خالفوها وقعوا في شر منها كما يجوز تطبيق ذلك علينا.
وطبقة الوسط، وهذه دائما أحسن الطبقات آدابا وأكثرهن حشمة ووقارا، ولرب معترض يقول: ما لنا وللطبقات وآدابها وما نسبة ذلك للحجاب وقد أدخلت في حكمك هذا الأمم حتى التي لا حجاب عندها؟ فأقول: متى عرفنا ذلك التقسيم وقارنا بين درجة اختلاط النساء في كل طبقة برجالها علمنا تماما أن الأكثر اختلاطا هن الأشد فسادا.
وإنك إذا استقصيت حوادث النساء في مصر وجدت أكثرها في الطبقة الدنيا منها بما فيها الفلاحات اللاتي وصفهن الخطيب الفاضل بالنزاهة والحشمة، وقد رأيت القرويات كثيرا وحادثتهن واستخلصت من أحوالهن أن ظاهرهن الجد دائما؛ وذلك لعدم رؤيتهن من يقتدين به في أسباب الخلاعة، وقد سمعت أن كثيرات منهن يهمن برجال ممن يختلطن بهم، فلو كانت القرى كالمدن فيها متنزهات بعيدات عن أعين الرقباء، أو كانت الفتاة يستغني أهلها عن شغلها وتعبها قليلا لأفنت ولساوت طبقة المدنيات السفلى (وأعني بهن بائعات البرتقال ومثيلاتهن) في الفساد والوقاحة؛ فهؤلاء فسادهن من سوء التربية لا محالة، ولكن الاختلاط بالرجال زادهن فجورا.
وإذا رجعت لغنيات مصر وهن (الذوات)، ويقلدهن بعض نساء الوسط، فهؤلاء يتفنن في الملابس ويكثرن من الخروج تحككا لأن يسمح لهن برفع الحجاب، ولكن على طريقة بعيدة من الأدب، فإنهن لو كن يطلبن ذلك رغبة في الحرية الشريفة مثلا أو إنهن يشعرن أن الحجاب يمنعهن من الاستفادة من العلماء، أو غير ذلك من الأسباب الجائزة لوجب إعطاؤهن ما يطلبن بغير تكلف البحث والعناء. أما ونساء مصر على هذا الجهل المطبق ورجالها، إلا القليل، على هذا الفساد المستحكم فلا يجوز مطلقا إباحة الاختلاط، على أن الإفرنج - وهم المتعلمون نساء ورجالا - يشكون من فساد مجتمعهم وقلة وفاء أزواجهم. وإذن، نعلم أن الطبيعة البهيمية في الإنسان تجتاز عقبات التربية وتخترق سياجها إلا الشاذة، والشاذة لا حكم لها.
بقيت مسألة واحدة أجملها إجمالا، وهي المثل القائل: (في الطفرة محال)؛ فنساء مصر متعودات الحجاب فلو أمرتهن مرة واحدة بخلعه وترك البرقع لرأيت ما يجلبنه على أنفسهن من الخزي وما يقعن فيه بحكم الطبيعة والتغير الفجائي من أسباب البلاء، وتكون النتيجة شرا على الوطن والدين، وإذا أردت هدم بناء أفلا تهدمه قليلا قليلا إلى أن يتم الهدم فتبنى على أنقاضه أحسن منه. فإذا فرضنا محاولة هدم البناء دفعة واحدة (مستعملين الطرق والآلات التي نستعملها الآن) تصورنا كيف يستحيل ذلك مع بقاء المارة والبنائين سالمين، فضلا عن الأنقاض كزجاج الشبابيك والخشب وما أشبه ذلك، فهذه الباقيات الصالحات في المرأة هي العفة والحياء والمنزل البالي حجابها الآن، والسابلة الوطن والدين والفضائل.
فناشدتك الله أيها الأديب، كيف تأمرنا الآن بالسفور ونحن إذا مشت إحدانا في طريق لا تزال تنصب عليها عبارات الوقاحة، ويرشقها هذا بنظرة فاجرة، وذاك ينضح عليها من ماء سفالته حتى يتصبب عرقها حياء؟! فمجموع رجال مثل مجموعنا الحالي لا يصح بحال ما أن يوكل إليه أمر امرأة وتترك عرضة لسبابه وقلة حيائه، ومجموع نساء كنسائنا الآن لا يفهمن إلا ما يفهمه الرضيع؛ يصبح سفورهن واختلاطهن بالرجل بدعة لا انتهاء لشرها. ثم أفدني أيها القارئ بالله، ماذا تقول امرأة جاهلة أو متعلمة تعلما ناقصا لشاب تجتمع به؟ أتباحثه في العلوم وهي لا تدرك أهميتها أو تعلم منها قشورا لا يعتد بها، أم تناضله في السياسة وهي لا تعلم أين إنكلترا من جزائر الأرخبيل، ولا يمكنها أن تفسر لفظة دستور أو استعمار مثلا؟ أم ماذا تفعل اللهم إلا أنها لا تجد شيئا تقوله إلا ما قد تستحسنه من هيئته وحسن بزته وهناك الضلال الكبير؟!
Неизвестная страница
والمتعلمات في مصر الآن يزددن عددا وفيهن من يصح أن تلقى إليهن قيادة أخواتهن، وسيجيء زمن ينشأ فيه جيل من النساء غير جيل (السحر والزار والرقى)، وهؤلاء يثمر فيهن البذر، فإذا أتعب الباحث نفسه في نصح النساء الآن قد يجد من تسمع، ولكنه لا يجد من تسمع وتعقل، ولا يبعد أن يكون من بين سامعات خطبة عبد الحميد أفندي من قد تقلدت وتزيت بزي الإفرنج وسارت في الشوارع تفاخر بأنها من ذوات الفكر الحر ومن صاحبات التمدين الحديث.
والخلاصة، أن خروجنا بغير حجاب لا يضر في نفسه إذا كانت أخلاقنا وأخلاق رجالنا على غاية الكمال. وأظن هذا مستحيلا أو بعيد الحصول، فإذا حصل التمازج وكان على هذا الشرط فلا اعتراض لي عليه.
وهناك قوم يشددون في تقدير الحجاب، فيحبسون المرأة مؤبدا ويمنعونها من زيارة جاراتها، ويضيقون عليها بحيث لا تستنشق إلا هواء بيتها الضيق الدائرة فتفسد صحتها وتكسل عن الحركة، ومنهم من يفتخر بأن امرأته لم تبرح بيتها طول عمرها. وهؤلاء أيضا متطرفون؛ لأن المرأة لها رجلان يجب أن تتحركا وعينان يجب أن تبصرا، فإذا صاحبها أبوها أو أخوها أو زوجها مثلا في نزهة وأراها محاسن الطبيعة ودقائق الموجودات وجدد قواها بالحركة واستنشاق الهواء الجيد، وهي بمئزرها محتشمة، فلا يخرج ذلك عن معنى الحجاب «وهنا استسمح الخطيب الأديب في استعمال لفظة حجاب على غير ما مر؛ لأننا لو رددنا كل المجازات إلى الحقيقة لصارت اللغة أضيق من سم الخياط».
على أن هذه المسألة واختلاف الآراء فيها قاضيها العادل الزمن والمستقبل، فكم من مسألة أبى قوم إلا اتباعها وآخرون نبذوها نبذ النواة؛ فاختلفوا وجاء الزمن مؤيدا فيها لفريق دون فريق، فصارت له القوة ورجع له الحول فاتحدوا فيها. ورأيي أن الوقت لم يأن لرفع الحجاب؛ فعلموا المرأة تعليما حقا وربوها تربية صحيحة وهذبوا النشء وأصلحوا أخلاقكم بحيث يصير مجموع الأمة مهذبا، ثم اتركوا لها شأنها تختار ما يوافق مصلحتها ومصلحة الأمة. وإن هذا الموضوع وأمثاله لمما يدعونا إلى التفكر والتبصر فإننا بدأنا أن نجاري الإفرنج في كل شيء، والمجاراة ليست ضارة في حد ذاتها ماديا، ولكن ضررها اجتماعي محض، فضلا عن كل ما بينت في مقالي هذا فإننا لو سلمنا بما يقترحه الكاتب من ضرورة تقليد الغربيين في أمور معاشنا ولباسنا وزي بلادنا مما قد لا يوافق روح الشرق، فإننا نندمج فيهم ونفقد قوميتنا بمرور الزمن، وهذا هو ناموس الكون إذ يفنى الضعيف في القوى، وإنه لمن العار أن نهمل هذا الأمر يجري مجراه، فأدعو الكتاب والباحثين للتفكير فيه، وفي إيجاد مدنية خاصة بالشرق تلائم غرائزه وطبائع بلاده ولا تعوقنا عن اجتناء ثمار التمدين الحديث. (3) ما ذنبنا؟
رد على ما كتبه حضرة (الخانقاه) في الجريدة بشأن تبادل إرسال النشء والمصاهرة بين الترك والمصريين. •••
كتب حضرة الأديب (الخانقاه) يقترح على الأمة المصرية أن تتبادل مع تركيا إرسال النشء من بنين وبنات، وقد رد عليه كثيرون مصوبين فكرته ومخطئين لها على أنهم لم يحيطوا بالموضوع من جميع أطرافه، وعذرهم في ذلك أنهم رجال وقد لا يعود عليهم بالذات ضرر ما من تنفيذ ذلك المشروع، ولا يهتم بدرس اقتراح كهذا خطير إلا من قد تقع عليه أضراره فيما لو نفذ، ونحن - معشر النساء المصريات - أكثر الناس تعرضا لمثل ذلك الخطر.
أنا لا أعترض على الموضوع في ذاته، ولكني أعترض على بعض لوازمه المربوطة به، على أني أوافق حضرات الكتاب الذين أبانوا أن بيوتنا لا تصلح لأن يقتبس منها التركي أو التركية شيئا يزيده معرفة أو علما، ولكن بصرف النظر عن هذه الحقيقة المؤلمة فإن الاختلاط الشديد بين الأمتين بهذه النسبة التي يتمناها (الخانقاه)، لا بد وأن ينتج عنها المصاهرة بين أفرادهما، وإن كانت النساء التركيات أغلبهن متعلمات بعكس أخواتهن المصريات، فيكون للأول الرواج في سوق الزواج الآن، أما الآخر فعليهن العفاء ولهن الكساد.
وإن من يتصفح تاريخ المرأة المصرية الحديثة يرى أنها كانت دائما مظلومة مهضومة الحقوق؛ ففي عصر إسماعيل هجم علينا جيش الشركسيات انهزمنا أمامه، وخرج ظافرا منا بأحسن رجالنا فلم يكن شريف أو نابه بمصر إلا وأم ولده جارية شركسية من شراء إسماعيل.
ثم ابتدأ رجالنا فيما بعد ذلك الزمن يتزوجون بالأوروبيات، وليتهن من ذوات الشرف، ولكن كان أكثرهن - إن لم نقل كلهن - من فريق الراقصات والخادمات وأضرابهن. كل ذلك يجري ونحن ساكنات ننظر ولا نتكلم خيفة الريب، ولكن نساء ذلك العهد كن جاهلات لا يفقهن شيئا، وربما كان ذلك خير قصاص منهن على الجهل (على أن هذا لم يكن من جنايتهن على أنفسهن ولكن جناه الوالدون عليهن)، أما وقد صار بمصر الآن من المتعلمات من يصلحن للزواج بأبناء جلدتهن، أفليس من العار أن تقدر على أن تجعل ابنك شريفا من أم ذات حسب؛ فتختار أن يكون ابن جارية شركسية أو راقصة أوروبية؟ ثم أليس من العار أن تشرئب دائما لما في يد غيرك وعندك أحسن منه؟
ألا رب معترض يقول: إن الرق قد بطل الآن، وإن من يصاهر الترك يصاهر أكفاء. هذا صحيح، ولكن الأم تغذي الطفل بأميالها وطباعها كما تغذيه بلبنها، فإذا ما حنت التركية لوطنها (وكل يحن بالطبع لوطنه) نشأ متشبعا بأميالها يحب تركيا ويميل عن مصر وهو معدود من رجالها.
Неизвестная страница
وسبب فشل المصريين وعدم ميلهم الفطري للاتحاد هو - على ما أرى - ناشئ عن تشعب أجناس أمهاتهم؛ فابن الفرنسية يحب فرنسا، وابن الزنجية يذكر خصب السودان، وابن العربية يفتخر بمحتده، وولد المغربية لا يفتأ يذكر بلده، وهكذا أضعنا وطنيتنا المصرية عن طريق المصاهرة بالأجانب.
ثم أجدني محقة إذا قلت إن الدم يحن لنوعه؛ فإذا تكافأ الرجل والمرأة في العلم والتربية وكانا مصريين مثلا؛ فإن الحب بينهما يكون أصدق وأمتن منه لو كانا مختلفي الجنس والمذهب. فإذا أراد الأديب (الخانقاه) أن يختار لنفسه حليلة غير مصرية فليكن ولكل امرئ ما يرى، ولكن ليتذكر أخته وابنته وبنات عمه وقريباته فسيكون نصيبهن من غيره نصيب غيرهن منه، والسلام. (4) مدارسنا وفتياتنا
رد على من ذكرت أسماؤهم في هذه المقالة. •••
لم يكن يدور بخلدي ساعة كتبت موضوع (ما ذنبنا) أن يخطئ فهمه أحد؛ لأنه من السهولة ووضوح الغاية بحيث لا يتعذر تفسيره ، ولكن ظهر لي من كتابة الكاتب في جريدة (لابورص إجبسيان)، ومن كتابة التركية (على الهامش)، أنهما ذهبا في واد وأنا في واد.
أما جواب السيدة التركية فإنه يكفي لأن يقرظ نفسه، ولا أقول فيه أكثر من ذلك؛ لأنه دل على مبلغ أخلاقها ودرجة ألمها، على أني أشكر لها حميتها ودفاعها عن نساء جنسها وألتمس لها بعض العذر على حدتها؛ لأن المسيو (أودولف) أهاج كامن عواطفها، ولكني لا أرى له هو رأيا أن يجرح عواطف إخواننا (أولاد الذوات)، ولا أجيز له أن يؤول مقالتي تأويلا لم أرده؛ فقد ذكر أني قلت: «إن الغربيات لا يصلحن لإدارة البيوت.» وهو يعلم أن هذه العبارة لم ترد البتة فيما كتبت، وإن ظني بأن الكاتب لا يعرف العربية أو أن الذي ترجم له كلامي لم يحسن له الترجمة يجعلني أحمل تهكمه وخروجه عن الموضوع على محمل حسن.
أما الفاضل (المتحرج من الزواج) فقد صدق في كثير مما قاله عمن يدعون أنفسهن بالمتعلمات ولسن من العلم ولا من التهذيب في شيء، وأضر ما يكون هؤلاء إذا تزوجن؛ لأن المتزوجة عليها واجبات شتى، وعلى قدر الواجب تكون المسئولية وهؤلاء لا يدرين حقوقهن إزاء الزوج ولا فن تربية الأولاد ولا كيفية معاملة الخدم وو ... إلخ، مما يجب معرفته، ويراهن - على جهلهن هذا - شامخات بأنفهن نحو السماء ويحسبن الاشتغال بلوازم البيت حطة لمقامهن؛ فيقضين وقتهن بين حديث خرافة وخروج في الشوارع! وهن على العموم أكثر النساء إسرافا وتبذيرا، فضلا عن البهرجة وقلة الحياء؛ فلا علما أتقن حتى تتهذب نفوسهن، ولا على تربية منزلية محضة درجن حتى يعلمن على الأقل طبخ عشاء بسيط إذا تركتهن الطاهية يوما ما.
وهذه الفئة الجاهلة الدعية في العلم هي ولا شك فئة خريجات مدارس الراهبات وكثير من المدارس الأهلية الأخرى. وقد خبرت مدارس البنات بأنواعها (ولا ينبئك مثل خبير)، وحسبك وقوفا على مبلغ علم هؤلاء أن تسألهن سؤالا بسيطا عن بعض ما يلقينه على مسامعك مثل الببغاء فلا يحرن جوابا، أما التدريس في تلك المدارس فهو على النظام الذي أخنى عليه الدهر أو محفوظ عن ظهر قلب، وليس فيه للتعقل أو المحاورة نصيب يذكر، ثم إن إحداهن لتسمعك تاريخ فرنسا ولا تكاد تأخذ نفسها من سرعة الإلقاء، وإذا سألتها عن عمر بن الخطاب أو صلاح الدين الأيوبي أو محمد الفاتح وأضرابهم من حماة الإسلام، قالت لك: لا أدري.
ومدارس البنات في مصر كلها خلا مدارس الحكومة الثلاث، لا أثر فيها إلا تظاهر بالعلم ورياء، وهي في اعتقادي لا تصلح مطلقا لتربية البنات المصريات؛ لأنها فضلا عن قلة بضاعة العلم فيها تجعل تلميذاتها على خلق غير ملائم لنا.
ومما يؤسف له أن القوم عندنا لا يفرقون بين الصالح وغير الصالح؛ فإذا أدخلوا ابنة لهم في مدرسة للحكومة، وأمرتها ناظرة المدرسة أن تلبس جلبابا مغطى الصدر والكمين مثلا أو تخلع حليها وقت الدرس؛ عدوا ذلك إساءة لابنتهم المدللة، وقطعوها عن المدرسة كما شاهدت مرارا.
نحن المصريين نحب الظهور والفخفخة بغير نظر إلى النفس وفضائلها، وهذا نقص في التربية يجب محاربته وإزالته، وأكثر الآباء وجميع الأمهات عندنا لا يقدرون من تعلم البنات إلا العزف على «البيانو» والرطانة؛ لأنهما ظاهران.
Неизвестная страница
وبالجملة أقول: إن أحسن مدارس البنات في مصر هي مدارس الحكومة أخلاقا وعلما، على أنها لا تزال تقبل الإصلاح والرقي.
ولي كلمة أخرى في هذا الموضوع تتعلق بالبيت والمدرسة أرجئها لفرصة أخرى. (5) تربية البنات في البيت والمدرسة
كلنا يعلم ما تعودنا على سماعه من أمهاتنا في سن الطفولة الأولى، كان يغرينا النشاط وحب العمل بمداومة الحركة واستكناه كل شيء مما تقع عليه حواسنا، ولو أدى ذلك إلى كسر الشيء أو تلفه، حينذاك كنا نسمع والدتنا تقول: «خذوها للمدرسة» فترسم المدرسة في مخيلتنا عفريتا يهول منظره؛ لأننا كنا نعد غضب الوالدة أكبر قصاص لنا، وهي لم تفه بلفظة «المدرسة» إلا في ساعة الغضب، هذه أول فكرة تلقى علينا من جهة المدرسة، فإذا شببنا قليلا وأتى بنا إليها ملأنا أرضها صراخا وعويلا، وطال أمد الوحشة بيننا وبينها.
تبذل معلمات المدارس جهد الطاقة في تثقيف عقول التلميذات وتعويدهن الفضائل، ولكن تلك الدروس إذا لم تدعمها الممارسة والمشاهدة لا تلبث أن تزول.
ترى إحدى المعلمات تنصح لفتياتها بأن لا يرتدين في المدرسة الأثواب المزركشة أو الرقيقة فتأتمر الفتاة بأمرها، وما هو إلا يوم حتى ترى والدتها أحضرت لها من تلك الثياب أقلها حشمة وأكثرها بهرجة، وإذا عارضت الفتاة وقالت: قد نهينا عن لبس مثل تلك الثياب أمس؛ أجابتها والدتها: لا تكترثي بكلام المدرسة فهو موجه للفقيرات لا لبنات الأغنياء مثيلاتك! إذا ضاع النصح هباء، وتشجعت الفتاة على العصيان وعدم الاكتراث. كذلك المدرسة تدرب التلميذات على النظام وبيوتنا بفضل الجهل لا نظام بها، وقصارى القول: إن ما تبرمه المدرسة لنفع التلميذات ينقض في البيت ولا سيما مسألة الأخلاق.
وأسطع برهان على أن البيت يفسد ما تصلح به المدرسة، الفرق الظاهر بين التلميذات الداخلية والخارجية، فإن الأوائل كلهن أكثر نظاما وترتيبا من الأخر، وأغلبهن أشد تمسكا بالفضيلة لأنهن ينشأن على البساطة والحشمة، وقد رسخ ذلك في أذهانهن.
فلو كانت تلك الأم متعلمة أو جاهلة تقدر العلم قدره لذاكرت لابنتها وأفهمتها ما تعسر عليها فهمه في الحالة الأولى، أو أعدت لها مكانا بعيدا عن لغط الزائرات في الثانية.
أعرف أختين كانتا معي في المدرسة وقد قصتا علينا يوما الحديث الآتي: وقد كانت إحداهما في السنة الأولى الابتدائية والثانية في السنة الثانية، ومعلوم أن تلاميذ وتلميذات هاتين الفرقتين في المدارس المصرية لا يمكنهم التكلم بلغة أجنبية. قالتا: «سألتنا يوما والدتنا إذا كان يمكننا التكلم بالإنكليزية فأجبنا إيجابا ولما لم تكن تعرف هي منها شيئا لم نجد ما نوهمها به سوى بعض أبيات إنكليزية كنا حفظناها في السنة الأولى؛ وهي حكاية عن طفلتين ضاعا في غابة ... إلخ؛ فأخذنا نتناوب شطور الأشعار أقول أنا الأولى، وأختي تقول الثانية، إلى أن فرغنا منها؛ ففرحت والدتنا بذلك وشهدت لنا بأننا «بارعتان في لغة الإنكليز»!»
ذلك مثال من كثير يبين أن جهل هؤلاء الأمهات لا يقتصر على تأثير بناتهن في العلم ، ولكنه يشجعهن على الكذب والفساد أيضا وإن كن لا يدرين.
وأدهى من ذلك وأمر أن الفتاة إذا شبت وكعبت، فإن الأم لا تفتأ تذكر لزوجها - وابنتهما تسمع - أن ابنتها كبرت وأنها يجب أن تترك المدرسة لتتزوج، وأن فلانا وفلانا أرسل والدته أو أخته تخطبها، فلا تلبث الفتاة أن تلتفت إلى أمر الزواج وتهمل المدرسة؛ لأن والدتها تغريها بذلك وتهتم به كثيرا، فإذا أمطرت السماء يوما ولو رذاذا قالت لها: لا تذهبي إلى المدرسة، وإذا اشتد البرد منعتها عنها، وإذا زادت الحرارة قليلا صدتها، وإذا ذهبت لعرس إحدى جاراتها أخرتها يومين أو ثلاثة، وهلم جرا. والفتاة مظلومة إذا لم تستفد من المدرسة بعد هذا، ولكن المدرسة مظلومة أكثر منها إذا نسب تأخر الفتاة كله إليها.
Неизвестная страница
ولا تكمل تربية الفتيات بحيث تصير المدرسة مسئولة عنهن بالمعنى الصحيح إلا إذا كن لا يبرحنها كالداخلية مثلا، أو إذا كانت أمهاتهن متعلمات يساعدن المدرسة على القيام بأعبائها، وهذا يظهر في الجيل القادم من بناتنا إن شاء الله؛ لأنهن يمارسنه بالفعل ولا يجدن أمامهن ما يفسد ذلك الدرس المفيد.
فيا ليت شعري! هل يخفف المنتقدون قليلا من حدتهم عند انتقاد مدارس البنات؛ لأن بيوتهم ونظامها أدعى إلى الانتقاد منها، والأمهات الجاهلات أكبر عثرة في سبيل نجاح المدارس، ولا سيما إذا كانت بناتهن من القسم الخارجي. وليس من الإنصاف أن تكلف المدرسة بملاحظة الفتيات في مغيبهن عنها؛ إذ إن أعضاءها لم يكن يوما من الشرطة (البوليس) ويكفي ملاحظة التربية والتعليم في المدارس، وليس ذلك بالأمر السهل على القائمات به.
المدرسة تأمر التلميذات بالنظافة وترتيب الهندام، والبيت لا يعنى بذلك كثيرا؛ فإذا غسلت الفتاة شعرها يوما تنتظر بعده أسبوعا بغير تمشيط حتى تجيئها الماشطة وتمشطه لها في الأسبوع التالي، ويظل رأسها بين الأسبوعين معقدا قذرا، فترجعها المدرسة إلى البيت مرة أخرى وتكون النتيجة تأخر الفتاة عن تلقي الدرس، وربما استشاطت والدتها غضبا من تكرر رجوعها من المدرسة، وهي لو مشطت بنتها كل يوم لما استغرق ذلك أكثر من ثلاث دقائق، ولكن هو الجهل والكسل.
حادثتني مرة ناظرة مدرسة للبنات في شأن التلميذات الخارجيات اللاتي يعدن إلى البيت كل يوم لقذارتهن؛ قالت: «إني أعجب لأمهاتهن كيف يرضين لأنفسهن أن تشتمهن المدرسة كل يوم ولا يخجلن؟!» قلت لها: وكيف تشتمهن المدرسة؟ قالت: «أليس إرجاع البنت إلى أمها بسبب الوساخة يعادل قولك لها: إنك أيتها السيدة قذرة ولا تصلحين لإدارة بيتك؟! وأكبر دليل على ذلك إهمالك ابنتك وهي فلذة كبدك وأعز عليك بالطبع من المنزل وأثاثه ورياشه، ولو رجعت تلك التلميذة في إنكلترا (وهي بلدها) إلى أمها بسبب القذارة لفكرت تلك الأم أن الانتحار أولى لها من أن تسب علنا بأنها قذرة.» هذا حقيقي؛ لأن الأم الإنكليزية متعلمة وتعرف حقوق التربية، وشتان بينها وبين الأخت المصرية.
هذا في الأخلاق وقل مثله في التعلم، فإن الفتاة ربما احتاجت إلى مذاكرة دروسها فتشغلها زيارة النساء لأمها ما بين (دلالة وماشطة و«كدية» زار)، ويملأن قلبها الصغير النقي أوهاما وخزعبلات، فيهدمن ركنا من فضيلتها ويبنين مكانه نقصا ورذيلة، فضلا عن أنهن يعقنها عن مذاكرة الدرس والاستفادة منه. (6) الزواج
يا للنساء من الرجال ويا للرجال منهن
بينا أنا أفكر في موضوع أكتبه للجريدة إذ قرأت ما جاء بها بقلم (أحد الناس) وحديثه مع فتاة، فتأثرت به أيما تأثر، وقلت في نفسي: إذا كان الرجال يخوضون في مثل هذه الموضوعات فنحن أحق بها منهم؛ لأنها بنا أمس، وأجدر منهم بالشكوى لوقوع حيفها علينا. وسأتكلم هذه المرة على طريقة الزواج عندنا؛ لأنها مقدمة لموضوع تعدد الزوجات، الذي سأكتب عنه في المرة القادمة إن شاء الله.
طريقة الزواج في مصر طريقة معوجة عقيمة نتيجتها في الغالب عدم الوفاق بين الزوجين؛ يقيم الرجل معالم العرس أياما وليالي، ويتكبد مصاريف جمة لعروس لم يرها عمره ولم يتأكد من حسن أخلاقها أو جمال نفسها، إنما سمع عن بياضها وسمنها أو مالها من الخاطبة التي تصف حسب نصيبها من نوال العروس وأهلها، فإذا أجزلوا لها العطاء صورت ابنتهم للشبان الخاطبين في صورة «بلقيس بمالها أو شيرين بجمالها»، وما هي إلا أحبولة يقع الفتى فيها فلا يلبث أن يصير بعلا للفتاة إما على الحب منه أو الكره.
فإذا سعد طالعهما اتفقا قلبا وقالبا ورضي كل بالآخر رفيقا له وصفت لهما الأيام، هذه حال قل أن يصل إليها زوجان، ومن تمت لهما كان ذلك أحدوثة في بني قرابتهما وعند الجيران!
أما البائس الذي قدر له أن يعاشر حمقاء أو جاهلة أو مسرفة أو ما شابه مما يعرفه أغلب رجالنا بالتجربة، فيا ويحه!
Неизвестная страница
كذلك الفتاة إن فوجئت ببعل مدمن أو خليع أو فاسد السيرة؛ فيا طول ما تقاسي من عناء! فمسألة الزواج عندنا هي ككل أمورنا نحن الشرقيين نكلها للقضاء والقدر والحظوظ وما شئت من المترادفات ...
ومما جعل مسألة الزواج عندنا - أي المسلمين - هينة لينة إباحة الدين الحنيف الطلاق وتعدد الزوجات، ولكن حاشا أن يكون قصد الشارع ما نراه الآن من الفوضى في أدق الروابط الاجتماعية، ومن نقص عهود الأسر وقلب نظاماتها، فإن الأديان لم تخلق لجلب البؤس وإنما خلقت لإسعاد البشر ولتقريبهم من الإنسانية، أو لإبلاغهم حدها الأقصى إذا تيسر ذلك.
وطريقة العرب على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم ، وما بعده في أمور الخطبة والزواج طريقة شريفة معقولة إذ لم يكن الحجاب حينذاك كما هو الآن، وإني أجاهر بأن حجابنا مقلوب ونظام اجتماعنا فاسد أشد الفساد، لا يصلح ولن يصلح لأن تتبعه أمة متمدينة.
أليس عجبا أن نرى نساءنا وفتياتنا يتهتكن كل يوم في عرض الشوارع، ويملأن حوانيت الباعة، ويذهبن في الخلاعة كل مذهب؛ فيكلمن سائق (الترام)، ويقفن مائلات عاريات الصدور متبرجات أمام المصور (فوتوغراف)، وإذا طلب خاطب مستنير من أبي الفتاة أن يسمح له برؤيتها والتكلم معها وأبوها يراقبهما عد ذلك أمرا إدا. هذا رجل وذاك مثله! والأول تكلمه بلا مراقبة وإنما بعلم من أهلها وترخيص، والآخر يريد أن يكلمها أيضا ولكن مع مراقبة أبيها وغرضه شريف، وهو معرفة كنه التي سيتزوج بها ويجعلها شريكة حياته ومربية ولده، فما السبب في منح الأول ومنع الثاني؟ اللهم إن هو إلا الجهل والعادة وحب القديم حتى ولو كان مضرا.
إذا اعترض أحدهم وقال: إن الفتيان أغلبهم فاسدو الأخلاق، قلت: إن المصور والبائع أفسد خلقا من الفتى المتعلم، على أن المراقبة مانعة للفساد على كل حال، ثم إن خوف الفتنة أكثر في الحالة الأولى منه في الثانية؛ لأن المقام الأول مقام هزل؛ فتضحك فيه الفتاة بلا مبالاة، وتكشف عن ذراعيها أو صدرها عند التصوير مثلا وتكون في الغالب متبرجة. أما المقام الثاني فهو مقام جد لا تتعدى فيه الواحدة حد الحشمة، فمن أين تأتي الفتنة إذن؟
وعندي أنه لو اتبع هذا السبيل في الخطبة لكان خيرا ولقلت حوادث الشحناء بين الزوجين فيما بعد، وهي بلا شك نتيجة الزواج (العمياني) الذي نتبعه في أعز شيء لدينا وهو أبناؤنا وبناتنا. ولا يقتصر الخاطب على رؤية العروس فقط فإن ذلك لا يكفي، بل يجب أن يستفهم عنها جيدا ممن يعرفون أخلاقها ويبحث عن سيرتها وأهلها، فيتزوج منها على هدى بعد البحث والاستقصاء، وهذه الشروط بعينها يجب أن يتبعها والد العروس قبل أن يسمح للرجال برؤية ابنته، فما كل راء خاطب وما كل خاطب جاد، ورب فتى هازل يريد اللهو أو فاسد يحب الاطلاع على الفتيات بغير قصد الزواج! فهؤلاء يخرجون من موضوعنا؛ لأننا لا نعنيهم وإنما نعني الشريفي النفس الحسني السيرة، والأب مكلف بالبحث عن حقيقة سائليه كما بينا قبل.
وهنا يعترضني فكر يجب أن أبسطه وإن آلم بعضهم، فإن شباننا لم يتعودوا احترام النساء، وذلك نقص في التربية الاجتماعية يجب أن يتداركوه. لا أريد أن يسجدوا لنا، بل أن يفسحوا لنا الطريق إن ازدحمت، ولينظروا إلينا كما ننظر إليهم أناسا مثلهم وليتركوا إشارات التعريض وألفاظه التي أصمت آذاننا، ولولا خوف مفاجأة العجلات والدواب لسددنا مسامعنا عند كل سير في الطريق تخلصا من تلك البذاءة المحرجة، فهؤلاء وأمثالهم لا أصاهرهم لو كنت أبا، ولكن بين شباننا كثيرين - بحمد الله - يتبعون الصراط السوي.
وقد سمعت كثيرا عن قوم طلب منهم أن يروا خاطبا ابنتهم فأروه أخرى جميلة وزوجوه من التي لا يرغب فيها غشا منهم وترويجا لبائرة عندهم، ولعل أحدهم يجعل ذلك من جملة اعتراضاته على الموضوع، ولكني سبقت فقلت: إن هؤلاء قوم لا شرف عندهم، والشريف وغيره يظهر من معاملاته وطباعه وسيرته، والبحث يفرق بين الضدين فلا يعقل أن يستمر الرجل شريفا في كل أمر يأتيه مع إخوانه ومعامليه ثم تتغير ذمته فجأة عند زواج ابنته! إن هذا يكاد يكون مستحيلا، ثم إن هناك قوما يعجبون بالخاطب وبأخلاقه ولكنهم يردونه خائبا؛ لأن المهر الذي عرضه عليهم قليل، فيا ليت شعري! أيشتري العاقل الراحة بالمال أم يشتري المال بالراحة؟ وماذا عليهم لو كانت ابنتهم سعيدة غير غنية؟ إن أكثرهم يطلبونها غنية قبل كل شيء، ويحسبون السعادة تابعة للغنى ألا ساء ما يحسبون.
ومن أكبر الأسباب المنتجة لشقاء الزوجين عندنا عدم ائتلافهما؛ أن يكون أحدهما راغبا في زواج آخر يعرفه أو يحبه فيجبره أهله على التزوج ممن لا يريد، والمثل الفرنسي يقول:
Неизвестная страница
Vouloir C’est pouvoir
أي: الإرادة هي المقدرة، فإذا تزوج فتى من غير من يحب فإنه بالطبع يريد أن لا يهنأ معها، وأن يعذبها من غير ذنب فيقدر ولا شك على ذلك، والمثل بالمثل مع الفتاة، وذلك ظلم بين من الأهل لا يغتفر.
وهذه العادة كثيرة الشيوع بين أفراد الأسرة الواحدة أو بين الأصحاب، يكون لأحدهم ابن فبمجرد ما تولد ابنة أخيه أو ابنة صاحبه يتفقون على أن المولودة الجديدة هذه من نصيب الصبي فلان عندما يكبر ويأخذون العهود والمواثيق على ذلك، وربما ربي الصبي تربية غير التي نشأت عليها الفتاة أو رأى أخرى أعجبته وهنالك الطامة الكبرى؛ أنت لا تأكل مكرها ولا تنام مكرها فلم تزوج ابنك أو ابنتك بالقصر والإجبار؟ ربما كان من يختاره الأهل أجمل وأغنى ولكنه في حال البغض يكون كأنه أقبح خلق الله وأفقرهم، على أن الجمال والغنى ليسا من شروط الوفاق بخلاف الرغبة فهي داعية له.
فنتيجة شقاء الزوجين وعدم الوفاق بينهما مقدماتها الأسباب التي شرحت قبل، وهي: (1)
جهل أحد الزوجين بالآخر. (2)
زواج مختلفي الطباع كعالم وجاهلة وبالعكس، أو غني وفقيرة، ومختلفي الدين والبلد. (3)
الطمع في الغنى بغير نظر إلى الأخلاق. (4)
الزواج القسري. (5)
تأويل الدين الحنيف على غير ما أريد منه في أحكام الزواج والطلاق.
وهذه الأسباب كلها شعب لأصل واحد هو عدم الحكمة، فإذا روعيت شروط الحكمة والتحري قبل الزواج فقل أن نرى هذا الشقاء المخيم على البيوت المصرية الهادم لمعنى الزوجية، وخير للفتاة والفتى أن يعيشا أعزبين من أن يتزوجا بثالث أيضا هو البؤس والعذاب. (7) تعدد الزوجات أو الضرائر
Неизвестная страница
إنه لاسم فظيع تكاد أناملي تقف بالقلم عند كتابته، فهو عدو النساء الألد وشيطانهن الفرد؛ كم قد كسر قلبا، وشوش لبا، وهدم أسرا، وجلب شرا، وكم من بريء ذهب ضحيته وسجين كان أصل بليته، وإخوة لولاه ما تنافروا ولا تناثروا ففرقهم أيدي سبأ وأصبحوا تأكل الحزازات صدورهم، ويضمرون السوء بعضهم لبعض، يثأرون ولا ثأر بني وائل وكانوا لولاه متفقين.
إنه لاسم فظيع ممتلئ وحشية وأنانية، كم أحرج رجلا وعلمه الكذب فأفسد عليه خلقه، وكم بذر مالا كان يعده لبعض رزقه، وكم أحفظ قلب والد على ولد، وكم علم الوشاية والحسد، فإذا ما لهوت أيها الرجل بعرسك الجديد فتذكر وراءك بائسة تصعد الزفرات، يتساقط من مآقيها أمثال لؤلؤ عروسك، ولكنه صهرته نار الحزن فظهر سائلا، واخش الله في صغار يبكون لبكائها، علمتهم الحزن فاستعاروا يواقيت عرسك أعينا، أنت تقرع سمعك الطبول والمزامير، وهم لا يسمعون إلا دق الحزن في طبول آذانهم وكانوا من قبل ذلك جذلين.
وهذه البادية التي أقطن الآن لا أبالغ إن قلت إن جميع نسائها جربن الضرائر لشيوع عادة الجمع بين زوجتين في رجالهن، ولي من مخالطتهن ما يجعلني على ثقة من هذا الموضوع.
طالما سألت امرأة من الحي هذا السؤال: «ترى هل تحبين زوجك الآن كما كنت تحبينه قبل زواجه من غيرك؟» فكان جواب كل من سألت سلبا.
وقد حقق لي ذلك بعضهن، وسمعت عن أخريات أنهن في الحقيقة كن يفضلن أن يرين نعش أزواجهن محمولا على الأعناق على أن يرينهم متزوجين بأخريات، فيا لله! أإلى هذا الحد يبلغ بغض المرأة للضرة؟! فليتأمل الرجال، أرى «القديمة» حزينة و«الجديدة» كذلك، فإذا قلت للأولى: ماذا يحزنك؟ أجابت: يحزنني ذلي وانكسار قلبي وأنا على ما ترين لست أنقص عن الجديدة جمالا ولا أدبا وكنت أبذل جهدي في مرضاة زوجي أما الآن فلا. على أنه لا يزال يسترضيني فيقول لي: أنت أحب إلي من الأخرى، وأنت أول من ملك قلبي، وأنت جميلة، وأنت وأنت ... إلخ، وأنا لم أتزوج عليك لنقص فيك وإنما كان ذلك مقدورا، وإذا ما سألت الجديدة عن سبب انقباضها قالت: يحزنني أن أرى لي شريكة ومنافسة على أن زوجي يحقق لي أنه لا يعبأ بها، وأنه لو كان مقتنعا بها لما تزوج عليها، وأنه يريد طلاقها ولكنه يبقيها رحمة منه لتربي أولاده فقط، فما أقدر زوج الضرتين على التفنن! ولو أنصفوا لعينوا زوج كل اثنتين سياسيا أو ناظرا للمستعمرات! (ولكن الذي يؤسف له أنه ليس لنا مستعمرات).
المرأة إذا ابتليت بالضرة انطفأ سراج بهجتها، والتهبت مكانه نار حقدها وذوى غصن قدها وزرعت محله بذور شرورها، فإن لم تك تقية وإلا وسوس لها الشيطان وعلمها أساليب الانتقام والكيد، وكثيرا ما دست امرأة السم لزوجها أو لضرتها أو لابن ضرتها فكان القضاء عليهم جميعا، وكثيرا ما عمدت للوشاية بها عند زوجها أو ثلم صيتها عند الناس، وأغلبهن يبذلن مالهن ويبعن مصوغاتهن للسحرة ليكيدوا للزوج ولامرأته على زعمهن.
فزوج الثنتين غير سعيد كما قد يخيل له؛ إذا تغيب لبعض شغله اتهمته إحدى المرأتين بأنه كان عند الأخرى، ويا ليت التهمة تقتصر على هذا فإن هناك التغير والتدلل والكراهية والبذاءة أحيانا، وإذا نسي واشترى لواحدة منديلا ولم يشتر للأخرى صب عليه سوط العذاب وألزم بأضعاف أضعافه، فما كان أحوجه للراحة وما أشد اشتغال باله! الإكثار من الزواج داء إذا تأصل صعب استئصاله.
ولا أعذر الرجل يتزوج مرتين إلا إذا تعذر عيشه هنيئا مع زوجته الأولى، لسبب ما - شرعيا كان أو غير شرعي - فيضطر للزواج اضطرارا، ولكن الحازم لا تنسيه أفراحه أولاده ولا امرأته الأولى إن كانت لا ذنب لها، أما إذا كان يعد بقاءها معه منغصا لحياته، أو كان كارها لها فليطلقها بتاتا، فربما يجد مع غيرها راحة وتجد هي كذلك مع غيره «وفي الأرض عن دار القلى متحول».
والطلاق - على مذهبي - أسهل وقعا وأخف ألما من الضر، فالأول شقاء وحرية والثاني شقاء وتقييد، فإذا كان الشقاء واقعا على كل حال فلماذا تلتزم المرأة الصبر على الشدة وترى بعينيها ما يلهب قلبها ويدمي محجريها؟ ألا إن حزينا حرا خير من حزين أسير، وبعضهم يخادع المرأة الأولى بأن يجعلها حاكمة على البيت معها مفاتيح خزائنه، ولكن ماذا تفيد مفاتيح الخزائن والحكم على السمن والعسل؟! وأين هذه من مفاتيح القلوب وحب الزوج؟!
تعدد الزوجات مفسدة للرجل، مفسدة للصحة، مفسدة للمال، مفسدة للأخلاق، مفسدة للأولاد، مفسدة لقلوب النساء. والعاقل من تمكن من اكتساب قلوب الغير، فكيف بقلوب الأهل والعشراء؟
Неизвестная страница
مفسدة للمال؛ لأن الرجل - فضلا عن تحمله أعباء أسرتين وقيامه بلوازمهما - يرى كل زوجة من الثنتين تجتهد في التبذير لتعجزه عن الإنفاق على الأخرى، أو لتمنعه من الزواج بأخرى، ولا تلام إحدى الزوجتين على تبذيرها، فذلك طبيعي؛ إذ تقول: ما الفائدة من اقتصادي؟ أنا أحرم نفسي مما ربما أشتهيه وزوجي ينفق ذلك المتوفر على امرأته الثانية؟ فخير لي أن أمتع نفسي بمطالبها كما تفعل ضرتي، أما الأولاد فإنهم بدلا من أن يكونوا من امرأة واحدة يولدون من امرأتين فيتضاعف عددهم، فإذا أخرجنا الأغنياء من حكمنا كانت معيشة الأب المتوسط أو الفقير ضنكا وعوزا؛ لأن زماننا هذا غير الزمان الأول؛ فغلاء المعيشة ونفقة أسرتين وتعليم أولادهما ليس بالأمر السهل.
مفسدة للأخلاق؛ لأن زوج الضرائر دائما يحتال ليطمع كل واحدة في حبه، وهذا تكفي فيه المداهنة والتطبع على أن زواج الضرائر في ذاته طمع وشره.
مفسدة للأولاد؛ لأني رأيت بنفسي أن كل ضرة تطبع كراهتها لضرتها في نفوس أولادها، فيشب الطفل وقد أشرب كره إخوته لأبيه وأمهم بلا مسوغ سوى ما زرعته أمه في عقله من مبادئها؛ فمهما فعلت امرأة الأب لترضي ابن زوجها ومهما أحسنت معاملته فإنه لا يفتأ يتهمها بكراهيتها له، وبأن ما تعمله معه من خير ومعروف فإنما هو لخوفها من أبيه أو مداراة لما في قلبها منه! وإنك لترى أبناء الرجل الواحد يغارون ويحسدون بعضهم البعض كما علمتهم أمهاتهم، وفي كلام العامة وأمثالهم الجارية ما يؤيد صحة هذا المبدأ.
مفسدة لقلوب النساء؛ لأن الأولى تكرهه بلا شك لإغضابه إياها وجرحه لعواطفها والثانية لا تصافيه مطلقا ما دام متعلقا بغيرها؛ فهو: «المنبت، لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.»
ويسرني أن عادة الجمع بين زوجتين كادت تتقلص الآن من بين الطبقات المتنورة والعالية؛ لأن التمدين والاستنارة يحرمانها وإن ادعوا أن الشرع يحللها، ولأن العيش أصبح سعيا وتناحرا، فإذا كان أجدادنا يكفي أحدهم أن يمتلك عشرة أفدنة لينام مستريحا في بيته ويتزوج اثنتين أو ثلاثا، فإن رجل اليوم لا يكفيه مائتا فدان مع تعبه واجتهاده للإنفاق على بيت واحد صرف التمدين الحديث محب الظهور. (8) سن الزواج
بينت في مقالي الأسبق ما يجب مراعاته في الخطبة والزوج من حيث اتحاد مشارب الزوجين في الدين والأخلاق والمعارف على قدر الإمكان ومعادلة البيئات، واليوم أفرد موضوعي هذا لشرط آخر لا يقل عن هذا أهمية وهو السن الملائمة للزواج. «الشرق» كما قال لورد كرومر في أحد تقاريره عن مصر: «يتم فيه بلوغ كل شيء متقدما.» وهذه حقيقة جغرافية لا ريب فيها؛ إذ بنسبة حرارة البلاد يكون نضج النبات والثمار ونمو الإنسان والحيوان. هذا ناموس الطبيعة الثابت، بغير نظر إلى تفاوت درجة العلم والعناية، وما يتخذ من التدابير لإنماء ذلك الشيء أو لتحسين الآخر، مما يكون له أثر في البطء والإسراع، فبلوغ الفتيات في مصر يكون عادة في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة لجيدات الصحة بعكس فتيات أوروبا والبلاد الباردة الأخرى؛ فإنهن ربما جزن السادسة عشرة أو الثامنة عشرة ولم يبلغن. وعليه، فلا نقيس سن الزواج عندنا به عندهن؛ لأننا كما نسبقهن في البلوغ يجب أن نسبقهن أيضا في الزواج، فضلا عن أن فتياتنا أقرب إلى السكينة، وأبعد عن الطيش من أخواتهن الغربيات، وإني لا أوافق بعض الأطباء الذي كتب في الجرائد مرة ينص على أن سن البلوغ يجب أن يكون هو بعينه سن الزواج؛ إذ بالله ماذا تفهم فتاة في الثانية عشرة من معنى الزواج، وماذا تعلم من أمور البيت، وماذا تعمل لو رزقت بأولاد؟ إني أكاد أتصورها تموت هي وإياهم إن لم يكن في النفاس ففي التربية، وقد ثبت بالتجربة أن أكثر اللاتي يتزوجن صغيرات جدا يصبن بأمراض الأعصاب (الهستيريا) وهذا هو السر في وجود (الزار) كثيرا عندنا.
إن الزواج ليس بالشيء الهين ولا هو بالهزل؛ تظن الفتيات الصغيرات والراشدات أيضا أن الزواج معناه ضرب الموسيقى ونصب السرادق ليلة العرس ولبس الحرير والماس والمباهاة بالأثاث والأواني الفضية، وغير ذلك من ضروب الفخر الكاذب والطنطنة الفارغة، ليس هذا هو الزواج يا سيدتي الصغيرة، بل هو إرضاء الزوج وحسن القيام على ماله وتدبير بيته ومؤاساة أهله وتربية أولاده ورئاسة خدمه، فهل تستطيعين كل ذلك؟ لا أخالك تستطيعين.
تقص علينا جداتنا وأمهاتنا في بعض سمرهن أنهن تزوجن ولم تزل عليهن التمائم؛ فكن يهربن في (الحارة) ويبكين عند الجيران ويأتين من المضحكات ما يبكي؛ فهل نريد أن نرجع القهقرى إلى زمن أجدادنا؟! حرام عليكم - أيها الآباء - ظلم بناتكم وتكليفهن ما لا يطقن (ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، حرام عليكم - أيها الآباء - الإصغاء إلى أماني النساء الجاهلات وزج بناتكم الصغيرات في سجون الزوجية الضيقة، حرام والله أن تتزوج البنية اليوم وترجع لبيت أبيها غدا، حرام على الأم أن تقول: «أريد أن أفرح ببنتي»، فتزوجها طفلة ولا تنتقي لها كفؤا، بل تعطيها لأول طالب لها، ولعمري إن الزواج ليتطلب الروية والتأني، والأم ملومة أكثر من الأب؛ لأنها جربت الزوجية بنفسها وسبرت غور مصاعبها وأتعابها، إلا أن حب الظهور متأصل فينا لدرجة أننا نرمي ببناتنا في المأزق الحرج كي يقال عنا: عرس فلانة كان فخما، وما أبهى العروس! وغير ذلك من الترهات.
والزوج قد يسر أولا من عروسه الطفلة لكنه لا يلبث أن يستاء، وهي مظلومة لا جريرة عليها؛ لأنها بالطبع لا تفهم ولا تستطيع القيام بحاجات منزلها من نظافة وحسن ذوق في وضع الأشياء في مواضعها، وهي لا تفهم معنى المسئولية لكنها مع الأسف مسئولة عن جميع لوازم البيت من طعام ولباس وغيرهما، وهي تنام مستغرقة من الغروب إلى الضحى، فإذا بكى وليدها لم تسمعه فيقتله البكاء إن لم تقتله هي بالتقلب عليه في النوم، والطفل يحتاج لسهر الليل وللرضاعة، أفتقدر الصغيرة على حمله طول الليل وإرضاعه، ومعرفة أمراضه وأوجاعه وحسن العناية به؟! يا قوم هذه إحصائيات الصحة ترينا كل يوم بأجلى ما يرى كثرة موت الأطفال في مصر، أو أصابتهم بما يعسر شفاؤه نتيجة جهل الأمهات بلا شك، والجهل في الصغر أكثر منه في الكبر، فإذا قرن بما يستلزم الصغر من الضعف وعدم القدرة على تحمل مصاعب التربية كان أدهى.
ومن نكد الدنيا على الفتاة - قاصرة كانت أو رشيدة - أن تتزوج من فتى صغير تابع لأبيه وتكتفي من الزوج بأنه ابن فلان الغني، فطالما سمعنا بأن اختلاف الكنات أو سوء سير الفتى أدى إلى طرده هو وزوجه من بيت أبيه، فماذا يفعل إن لم يكن تعلم علما أو صنعة تساعده على المعيشة؟ لا جرم أن يذوقا وبالا، أو ينتجعا بيت أهلها وتبقى هي وهو وأولادهما عالة عليهم إلى أن يشاء الله.
Неизвестная страница
ومما يشقي الزوجين أيضا مختصا بالسن أن يتزوج هرم شابت مفارقه بشابة في مقتبل العمر، أو بالعكس فتى بعجوز، فإن مشرب الشباب يختلف عن مشرب الهرم، فضلا عن أن النسل الناتج من أبوين بعيدي فرجة السن الواحد عن الآخر يأتي في الغالب ضعيفا أو لا يأتي بتاتا، وإنك إذا نظرت هرما وشابة، أو شابا وعجوزا ممسكا أحدهما بذراع الآخر، كما قد ترى الفرنجة في طريقك أحيانا، فإنك لأول وهلة تستنكر هذا المنظر، وتحكم - إن حقا وإن كذبا - بأنها ابنته في الأول أو أمه في الثاني، وما يمجه النظر فهو ليس طبيعيا، وإذا كان الله - سبحانه - أحكم أمر الملاءمة في الطبيعة؛ فلم يخلق الجبل الوعر في السماء الرقيقة الصافية، ولم يبرأ النجوم الجميلة المتألقة في الأرض الخشنة القاتمة، فلم نجمع نحن بين الأضداد ونخالف ذوق الطبيعة الصادق؟!
الشابة تفكر في زينتها وحسن هندامها والتأنس بجمال الاجتماع بصديقاتها، والهرم يفكر في علبة السعوط والثريد ودواء السعال فيا:
أيها المنكح الثريا سهيلا
عمرك الله كيف يلتقيان؟!
كذلك الشاب لا يلذ سمعه الشينات الكثيرة والياآات في موضوع السين والراء، ولا زيادة مصروفاته في تركيب الأسنان المستعارة، وصبغ الشعر، وطلاء الوجه، وغيره من لوازم سيدتنا أو (أمنا العجوز) كما كنا نقول في قصص الطفولة. أحب فتى مرة امرأة أعجبه شكلها فخطبها إلى نفسها، فقالت له: أنت فتى وأنا عجوز لا أصلح لك، فلم يقبل قولها وظنها مازحة وألح عليها في قبوله بعلا، فلم تر بدا من إجابته إلى طلبه، فلما دخل عليها ليلة العرس جلس يكلمها وإذا بها خلعت أسنانها ووضعتها على منضدة أمامها فهلع قلبه إلا أنه بقي صامتا ينظر إليها ريثما تتم عملها، ثم خلعت إحدى عينيها وكانت صناعية من الزجاج، ثم جردت رأسها من شعرها المستعار فظهر أصلع مخيفا، وبينما هي تنزع القطن من صدرها هرول الشاب نحو الباب مسرعا؛ فنادته: لماذا تهرب وقد كنت تدعي أني فتنتك بجمالي؟ فأجابها: يا سيدتي «نعم أهرب ويحق لي؛ لأني رأيت أغلب أعضائك من الدكان وأخاف أن تكون حواسك كذلك أيضا.» فهل يغبط الرجل على زوجة مثل هذه؟! وإذا لم يغبط فلماذا تكره الشابة على تزوج الهرم؟ اللهم أنت خالق الخلق ومحدد الأعمار، تزعم الجاهلات أن زواج الهرم دلال في حياته وغنى بعد موته؛ فهل ضمنت المرأة الطماعة أن المنية ستعدو عليه أول؟ وهل تطيب الحياة الزوجية إذا كان الواحد يترقب الموت لرفيقه؟ وهل تصح معاشرة هذه التي تعد موت القرين ربحا؟ إن هذا إلا ضلال كبير.
فعلى ملاءمة سن الزوجين يتوقف شيء كثير من الوفاق والمحبة، والواجب أن لا تتزوج الفتاة إلا متى صارت أهلا للزواج كفؤا لتحمل مصاعبه، ولا يكون ذلك قبل السادسة عشرة. وتزويج الصغار لعب فيه شقاء للأمة من عدة وجوه؛ عناء في الزوجية نتيجته دائما الشقاق أو الانفصال، كثرة وفيات الأطفال، ضعف النسل، إصابة النساء بالأمراض العصبية والأمراض النسائية الأخرى.
وزواج مختلفي السن إضعاف للنسل وشقاء للزوجين وقلب لنظام الطبيعة الدقيق.
فمتى يلتفت لهذا الآباء والأمهات؟ ومتى تنقشع سحابة هذا الشقاء عن سماء بيوتنا؟ ومتى ننظر للزواج بعين الجد والاهتمام؟ اللهم أرني ذلك اليوم فهو أمنية النفس وسبيل سعادة الأمة وترقيها. (9) طلاء الوجوه
أول ما يلفت نظر باحثة مثلي عند زيارتها القاهرة كثرة وجود الخود البيض في شوارعها وطرقاتها ومنازلها، فيا ليت لي علم الغيب كلنا من جنس واحد؛ إما من سلالة العرب الفاتحين أو من الفراعنة، والأولون والآخرون لم تؤثر عنهم الشقرة، ولم يأت في أوصافهم الصحيحة وتواريخهم ذكر لاشتداد حمرة الخدود وزيادة بياض الوجوه إلا ما كان مبالغة خيالا في حبيبة أو حقيقة نادرة، فلماذا نجد نساء القاهرة كلهن شقرا ونساء المدن الأخرى أقل بياضا؟ أو لماذا نجد الدم ضاربا في وجوه الحضريات قليلا عند الفلاحات والبدويات مع أنهن دائما معرضات للشمس، تنقي الدم وتجدد الصحة. إن في الأمر لسرا، نعم إن المسحوقات والمراهم وضروب الأصبغة تفعل بالوجوه فعالها «وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟»
تزعم عاشقة الطلاء أن البياض حلية، ولكن هل تعتقد أن هذا الأبيض، الذي خيل لها أنه أبيض، يبقى إذا فرض أن خيالها صحيح؟ كلا؛ إن هذا الأبيض الذي تتعمده وتجتهد في تنميقه لا يلبث أن يزرق فيصير وجهها بنفسجيا. فهل سمعت في أشعار المتغزلين والمشببين أن الوجه البنفسجي من أمهات الجمال؟ وهل إذا لفح الحر الوجه المدهون، فسال عليه العرق يخطط جداول وغدرانا، وينقل من كحل المحاجر إلى صفحات الخدود، فيختلط الأسود والأحمر، هل يرى ذلك الوجه مشرقا جذابا؟ ولماذا تعد الشقرة خيرا من السمرة ألا تتساوى في ذاتها الألوان ؟! إن مسألة اللون اعتيادية صرفة لا أثر لها من الصحة، فأنا أحب اللون الأخضر وجارتي تحب الأحمر، فهل تفضل إحدانا الأخرى من هذه الوجهة؟
Неизвестная страница
إن هؤلاء السيدات يقلدن، ولكن تنقصهن ملكة الذوق في كثير مما يعملن، فإن الوجوه الشديدة البياض والحمرة يكون فيها دائما عينان زرقاوان وحاجبان أخطبان ويكسو رأسها شعر أشقر فتلائم بعضها بعضا، أما نساؤنا فإنهن بينما يصبغن حواجبهن بالسواد الفاحم إلى نصف الأنف وأعينهن يكاد كحلها يخلق لها حاجبين آخرين تراهن بعد ذلك يصبغن وجوههن بالشقرة، فأين الذوق الحسن من هذا الترقيع الشائن؟!
الوجه المدهون يضيع كثيرا من معاني الجمال؛ فإن تأثرات النفس وطبائعها تنعكس على مرآة الوجه فتكسبه أثرهما فيما لا يمكن وصفه في العينين وفي الفم وفي الابتسام وفي أسارير الوجه الصغيرة وفي الجلد نفسه أيضا، ولكن الطلاء يظهر الوجه كأنه ليس فيه حياة، ويغطي جلده المملوء معنى وينزع بصاحبته إلى تصنع الحركات والسكنات، والتصنع يذهب بهجة الجمال، ولست مبالغة إن قلت: إني أعد كل طالية وجهها تمثالا من الرخام، فإذا كان «حافظ» يعجب لصمت تماثيل الطليان، فأنا أعجب لتكلم تماثيل المصريات.
لتقف سيدة من هؤلاء اللاتي يستعملن الطلاء بجانب تمثال من عرائس (ستين وكموان) ولتنظر في المرآة فتتحقق من حكمي عليها.
ضمني مجلس بصديقتين من المتعلمات المهذبات، وكنا ننتظر سيدة فرنسية أتت مصر لأول مرة لتسيح في الشرق وتخبر عادات أهله، فحضرت السيدة السائحة وأخذت تسألنا عن عاداتنا وأخلاقنا، وأظنها سرت بحديثنا، وإذ دخلت علينا زائرتان مصريتان (من قسم التماثيل)؛ فبهتت السائحة وخجلنا نحن الثلاث لهذا المنظر غير الجميل، وبينما كانتا تتحدثان مع صاحبة المنزل بالعربية، والسائحة لا تفهمهما، كنت أسارقها النظر فأراها تكاد تجهر بضحكة عالية احتقارا واستهزاء من هاتين المرأتين، فيا ويحنا! أما يكفينا أن يحكم علينا الغربيون بالجهل والتأخر حتى يروا ما يسجل علينا العار؟! وبعد أن خرجتا قامت السائحة وطفقت تقلد لنا حركاتهما وتشمئز لذكر وجهيهما، ولم يسعنا إلا موافقتها.
هذا الطلاء مضيع للجمال الحقيقي المعنوي والحسي أيضا، فإنه يسمم الجلد ويسد مسامه ويجهد عضلات الوجه، فإذا استعملته سيدة وانقطعت عنه يوما ظهر وجهها شاحبا أصفر متغضنا وتغور عيناها وتسود ولا حور، وعملية الطلاء هذه ربما تعذرت حينا، فقد تمرض المرأة أو تتأخر فتفاجئها الزائرات، فماذا تعمل؟ أتقابلهن طبيعية أم تجبرهن ساعة على الانتظار ريثما تتم عملها الشاق؟
السيدة التي تغش زوجها يجب أن تحتقر؛ لأنها تزدري بصنع الخالق - سبحانه - وتعمد إلى تغييره، ومن يزدري بصنع الله كافر؛ لأنها تخدع الرائين والرائيات والخادع يجب أن يمتهن؛ لأنها تجني على صحتها وتعجل الهرم لنفسها، فهي إذن لا تدري النافع من الضار، ومن لا يعرف نفع نفسه من أذاها أبله لا يحترم؛ لأنها تجني على الآداب فتجعل من نفسها قدوة فاسدة لبناتها.
وإذا كان الوجه الذي هو أظهر أعضاء البدن يعمد لغش الناس فيه، فكيف بالضمير الخفي؟ إن الطالية وجهها ساقطة في رأيي، فلتغضب من هذا القول من كانت غاضبة؛ فإني لا يهمني رضا التماثيل.
ولولا تشجيع الرجال النساء في غرورهن لما تمادين فيه، فإن بعض الرجال يشترون بأنفسهم علب المسحوقات وأنواع المحسنات لنسائهم وبعضهم يتكدر عندما يرى امرأته في وجهها الأصلي وهيئتها البسيطة.
ألا يا نساءنا اتركن هذه العادة الذميمة، وإن كان لا يسليكن غير صناعة النقش بالألوان فأمامكن الورق ليس أكثر منه، انقشن فيه صورا ورسوما تحلي جدران المنازل، واشكرن الله على نعمه الجزيلة، واعلمن أننا مصريات، فإن لم يكن في أجدادنا أصل العجمة فمن أين لنا هذا البياض الناصع والاحمرار الشديد؟! وما أحلى السمرة الجاذبة لو تفهمين معناها! إنها جميلة لأنها جميلة ولأنها مصرية ولو لم يكن فيها غير المصرية والطبيعة لكفى، وكل طبيعي جميل. (10) مبادئ النساء
المبدأ الأول: عدم الثقة بالزوج أو الغيرة العمياء
Неизвестная страница
أول مبدأ تحفظه المرأة الجاهلة عند زواجها هو عدم الثقة بزوجها، مهما أكد لها براءته من تهمة الخيانة، ومهما كان الباعث له على تغيبه عن منزله، فتراها إذا ذهب زوجها لديوانه ودعاه صاحب له إلى الغداء معه فلم يؤب لمنزله إلا بعد، تراها تتكدر وتثور زوابع غضبها وتتهمه إما بزواج جديد أو بمصاحبة غير شرعية. تراها إذا دعي للسهر مع إخوانه فتأخر قليلا بالليل تسأله: أين كنت؟ ولا تصدقه إذا قال الحقيقة، تراها إذا كان ممن ينتدب في تحقيق قضية أو البحث عن جناية وتغيب يومين أو ثلاثة تتهمه حقيقة، فيلتفت الزوج إلى ما تقول امرأته ولا يلبث أن يتزوج أو يخال؛ لأنها علمته أن هذا الأمر مستطاع له، وسهلته على أذنيه وروحه بكثرة ذكره له، وشدة الضغط تحدث الانفجار.
إذا ركز هذا الأساس في رأس الزوجة نغصت عيشها وعيش قرينها؛ لأن السعادة والشقاء وهميان، فإذا تخيلت أني سعيدة انبسط أمامي الكون، ووجدت مخرجا من المضايق التي تعترضني، ووجدت من ثقتي بنفسي واعتدادي بسعادتي سعادة حقيقية، وصرفت الأمور على قاعدة أن أكون دائما جذلة، وإذا انقلب الأمر رأيت كل حادث هين جالبا للشقاء، وهذا مشاهد في النساء لا سيما الجاهلات؛ لأن اعتقادهن في أي شيء لا يتزعزع حتى ولو سطع أمامهن برهان يكذب ما يعتقدن؛ ولأن أعصابهن أسرع تأثرا وأنفسهن أكثر انفعالا منها عند الرجال.
وقد يتفق أن يرى الإنسان سيدة دائمة الحزن مقطبة الجبين بلا مسوغ، وأخرى دائما جذلة وكل ما حولها مثبط للهمة مزعج، فأي الأسباب عكس كل قضية إلى ضدها؟ إنه هو الاعتقاد والنفس.
وإذا فقدت المرأة الثقة في قرينها فقد يفقدها هو أيضا منها، فيا لهول تلك العيشة المنكرة! مرتبطان اسما منفصلان معنى، والنساء الملتفات حول الزوجة يزدنها كرها له بأن يزعمن أنهن رأين خليلته أو زوجته الأخرى، وينهبن الزوجة الساذجة ويطمعنها في أن ما يأخذنه منها هو لنكاية عدوتها، وسلاحهن الوحيد هو السحر؛ فيا ضعف السلاح والمقاتل! لماذا تعتقد المرأة دائما أن الرجل ليس مخلصا لها الود كما هي مخلصة له؟ إنها ولا شك مخطئة في ذلك التقدير إلا إذا رأت بعينها ما يثبته، ومما يجسم لها خيالها لسانها الذي لا يفتأ يقلب للزوج مواضيع لم تكن لتخطر له، فهي تعيدها صباح مساء، وتقوم معها وتنام، تحلم بها وتأكل ، وهي من جوارشها (أي: مشهياتها للطعام)؛ فيتضايق الزوج لأن الموضوع في ذاته ثقيل، ثم هو مكرر ومعاد مرارا، والشيء حتى الجميل إذا كرر مرارا ضاعت طلاوته وذهب رونقه، فما بالك بهذه التهمة الشنيعة وفقدان الثقة؟! إذا تضايق الزوج من هذا الحديث وبلغت روحه التراقي، ولم يفلح في إثبات براءته وإخلاصه لزوجته، لم يجد أمامه إلا أحد طريقين؛ إما أن يكثر من مجالستها ويستغني عن رأسه وأذنيه، وإما أن يهيم حيث لا مضايق وحيث يبجل مع إخوانه ويتبادل معهم أطايب الحديث، ولكن يستعد لسماع قوارص الكلام كلها ليلا عند أوبته لمنزله، فبحق الألفة والسعادة هل يعد ذلك عيشا؟!
هل علمت سبب تلك الوساوس؟ نعم هي الغيرة العمياء.
الغيرة القليلة ممدوحة؛ لأنها تدل على حب الشخص للآخر وعلى اهتمامه به، فإذا رأت سيدة بعلها غير مستقيم السيرة وتأكدت ذلك من طريق الصدق لا من شياطينها وأعوانها ولم تغر عليه، فإنها لا إحساس لها والحجر أقرب للتأثر عنها، وأما إذا استعملت الغيرة في غير موضعها فإنها تشقي نفسها وتشقي زوجها وتشقي أهله وأهلها.
هل يجسر بعل يوما أن يكلم عجوزا أو يضاحك طفلة أمام زوجته الجاهلة؟ وهل إذا قصدته أرملة في إنجاز عمل لها، لم تجد أكفأ منه في القيام به، هل تغفر له زوجته هذا الخطأ العظيم في مكالمة الأجنبية عنه؟
يجب أن لا يجعل محل للريب إذا رؤيت الريبة رأي العين؛ قد تحمل الرجل سلامة نيته على أن يبوح لامرأته ببعض ما رآه في صباه، أو أن يصف لها ملاهي باريس وغيرها من البلاد، التي ربما كان ساح بها قبل زواجه، فيلاحظ وهو يقص الحديث أنها تتغير أو تسأله عدم تكملته، ولكن هل تغارين أيضا من الماضي أيتها السيدة وقد ابتدأ وانتهى قبل تعرفك بهذا الزوج الشقي؟
والسيدات يملن دائما لفتح مثل هذا الحديث، وليس عندهن أرقى منه طبعا، فتجتهد كل واحدة في إظهار المساوئ التي تسمع بها أو تخترعها عن زوج صديقتها، وتظن ذلك خدمة لها؛ لأنها توقفها على مبلغ إخلاص زوجها لها، فإذا فرض وكانت هذه المساوئ حقيقية، فإن تلك الصديقة الجاهلة تضر صديقتها من حيث تريد لها النفع، وتسبب شقاء أسرة بأكملها، وإذا كانت اختراعا وافتراء على رجل بريء فما كان أجدر هذه الصديقة بضبط لسانها، وهو لا يكلفها أكثر من إطباق فكيها.
وقد شوهد كثيرا أن اختلافات وخصومات جناها أرباب الأسر المتفقة المتحابة من أمثال هؤلاء الواشيات، فإذا علم الزوج أن امرأة صاحبه أو أمه أو قريبته، هي التي غيرت عليه زوجته، واكفهر من غيم حديثها جو سعادته ووفاقها، لا يسعه - وهو مصيب - إلا أن يأمر ذلك الصاحب بحجز تلك المنتمية إليه عن الإيقاع به، وعن الدخول إلى منزله فتؤلم هذه الإهانة صاحبه وتوجعه، وربما بتت بينهما حبل الوداد.
Неизвестная страница
الثقة ما أحلاها بين الزوجين! حتى وإن كانت على غير أساس؛ لأن الزوجة إذا تحققت انحراف زوجها عن الصراط السوي فلتنبهه أولا باللطف والمحاسنة، فإذا لم تفلح ملاينتها فماذا تعمل؟ إما أن تبقى معه إن كانت ترجو عيشه وتؤمل تحسنه، وإما أن تنفصل عنه وهذه إحدى الكبر، فإذا فضلت معاشرته بسبب حبها له أو لارتباطهما بأولاد، أو لانقطاعها من الأهل والإخوة، فأولى لها وقد تحتم عيشها معه أن تفرض أنه مخلص لها، وأنه لا يتغيب إلا لأشغال نافعة لمستقبلها ومستقبل أولادها، وأنا على يقين أن هذا الفرض متيسر وسهل جدا لمن تبغيه وجالب لطمأنينة وهدوء بال لا يفرقان كثيرا عن مثلهما الصحيحين.
المبدأ الثاني: بغض أقارب الزوج أو الأثرة
مما يطرب له النساء أن يكون أزواجهن لا أهل لهم، فترى الخاطبة أول ما تذكر حسنة للشاب الراغب في الزواج، سيان صدقت أو كذبت أنه لا أهل له، وتبالغ بقولها: «إنه مقطوع من شجرة.» معاذ الله! أيجب أن تفنى أسرة بأكملها ليتزوج منها فرد؟! والإنسان مدني بالطبع فالاجتماع بالغير لا مندوحة عنه والاحتياج للمخالطة ضربة لازب، والمرأة تميل للاستئناس كما يميل الرجل، وتعتز بالأهل كما يعتز هو، وتدرك معنى القرابة والصلة. إذن، فماذا يجعل المرأة تحترم هذا المبدأ فتاة وتتجاهله زوجة؟! أو لماذا هي تحب أقارب نفسها وتبغض أقارب الزوج وتحمله أيضا على مجاراتها؟! إن هي إلا الأثرة أو التنازع على السلطة، الزوجة تريد أن تكون حاكمة بأمرها، مطلقة التصرف في شيئين عزيزين عليها: قلب الرجل، والبيت. فإذا كانت وحدها لا يعيش معها من أهل زوجها أحد ظنت أنها نالتهما، أما إذا عاشرتها حماة أو أخت لزوجها أو ابنة له من غيرها فهناك تنازع البقاء والبغض الذي لا نهاية له، كل تريد أن تستأثر بالسلطة على المملكتين، وتجتهد في الفوز بقلب الرجل أولا، فإذا ما وفقت له نالت الأخرى بغير كبير عناء، ولا تخلو إحدى المتنازعتين من خطأ وصواب؛ إذ لا يمكن أن تكون الواحدة على خطأ محض والأخرى على صواب صراح، ولو علمتا لرضيت كل منهما بقسمها من حب الرجل؛ فالحب البنوي غير الحب الزوجي، وإذا ابتغت امرأة أن تغير على الاثنين كانت مخطئة وتعدت ما وراء حدها.
إذا أرادت الزوجة أن لا يحب زوجها أمه ولا يحترمها ولا يتكفل بلوازمها، وهي محتاجة إليه فقد أثمت، وكذلك أمه إذا حدث زوجة ابنها على ابتسامة ألقاها عليها زوجها أو تغشمرت، وأرادت أن تجعلها كالصنم لا رأي لها بينهما، فهي أيضا قد تناهت في الظلم والقسوة.
نساء اليوم غير نساء الأمس وأذواقهن تختلف باختلاف الزمن، ولكن إذا تحتم أن تعيش فتاة الجيل الجديد مع حماتها ذات الفكر القديم، فما العمل؟ المخاصمة والمعاندة لا تجديان نفعا، فضلا عن أنهما من صفات الطبقة الدنيا، أما النساء المهذبات فلا يبعد أن يختلفن في الرأي، ولكنهن يصرفن الخلاف حالا، ولم تسمع واحدة من الأخرى ما يغيرها عليها.
التساهل أول ما تجب مراعاته في الأسرة، واللطف أجمل صفات المرأة. ترى الزوجة وضع هذا الشيء على اليمين وترى حماتها وضعه على الشمال، فلتتساهل الزوجة فإنها أصغر سنا، ولتبين آراءها فيما تختار بلطف وتواضع، واللين كفيل بتسوية الخلاف. أما إذا تشبثت وأظهرت كبرياء المتمدنات وأصغرت حنكة حماتها وتجاربها بجانب تمدينها الحديث، فربما وصل الأمر إلى أوخم العواقب ، وأصعب قضية يحكم فيها الرجل هي التي بين أمه وزوجه؛ لأنه إذا أرضى أحد الخصمين أغضب الآخر وأمامه أم واحدة، أما النساء فغير زوجته كثيرات، فتدور الدائرة في الغالب على الزوجة، ولو كان رأيها صوابا.
الزوجة التي أول ما تدخل البيت تفرق بين أعضائه المتحابين المربوطين بصلة الأمومة والأخوة شيطان رجيم، يجب عليها أن تتذكر أنها لم تأت إلا من قريب أما هؤلاء الذين معه فمنهم من ربته وتعبت فيه إلى أن صيرته رجلا، ومنهم من يفضله على نفسه ويفديه بما يعز وأحدث واحد فيهم أقدم منها حبا له وارتباطا به، والغريب أن كل امرأة من هؤلاء العجائز كانت تكره حماتها وتريد أن تحبها امرأة ابنها، ولكن الجزاء الحق من جنس العمل.
وإذا سألت الأولاد وجدت أغلبهم يحبون أبناء أخوالهم أشد مما يحبون أولاد عمهم، وهذا ناشئ - ولا شك - عن حب أمهم لأقاربها وبغضها لأقارب زوجها، على أنهم بعيدون عنها ولا ينازعونها السلطة التي تخاف عليها، ولكن كره واحدة سرى في جميع من ينتمون إليها؛ فالزوجة تكرههم بحق أو بغير حق، فضلا عن أهل الزوج يحبون الرقابة على امرأة قريبهم، وقد ذكرنا أنها عدوة الرقابة والتقييد ومبادئها استقلالية مطلقة، على أني لا أفهم كيف تزعم المرأة أنها تحب زوجها ثم هي تبغض أقاربه؟! إن هذا تناقض غريب، فإذا كان ادعاؤها هذا حقيقة وجب أن تحبهم وتحتمل من أجله كل صعب مهما كلفها ذلك الاحتمال.
تنازع الرئاسة على البيت أحد سببي البغض، والسبب الآخر تنازع الرئاسة أيضا ولكن على قلب الرجل، ألا فلتطب نفسا كل امرأة غيور فإن حب الزوجة المكتسب الظاهر غير حب الأهل الغريزي الدفين، كل له صفة خاصة به تجعله لا يقل أهمية عن الآخر، وهما مختلفان لا تدل كثرة أحدهما على قلة الآخر، فهما منفصلان تمام الانفصال.
فالزوجات المتمدينات يجب أن يخفضن قليلا من غلوائهن ولا يبخلن على الحاكمة القديمة في البيت بشيء من السلطة؛ لأن من تعود الحكم صعب عليه أن ينزع منه، وأمهات الأزواج أولى لهن أن لا يتشبثن كثيرا بآرائهن العتيقة؛ فكل زمن يقتضي إصلاحا مغايرا لما قبله، والصلاة والصيام خير لهن من إلقاء مسؤولية البيت وتربية الأولاد على عواتقهن؛ لأنهما مريحان في الدنيا مكسبان أجرا في الآخرة، والسلام.
Неизвестная страница
المبدأ الثالث: المباراة والإسراف
يمتاز الجيل السابق على أخيه الحالي بقلة اللزوميات ورخص أسباب المعيشة، كذلك له ميزة أخرى لا أعرف ألاحظها الجمهور أم لم يلاحظها، وهي لزوم كل طبقة من الناس حدها من جهة الغنى والفقر، فلم يكن الفقير ليستنكف من خصاصته، ولم يكن المتوسط يقلد الأوسع رزقا والأعظم جاها، كما نفعل نحن الآن، ولعل السبب الأصلي في ذلك هو نقص الحرية من أخلاقهم وتأثير شدة الضغط عليهم.
نفقات الأسرة اليوم كثيرة في ذاتها لتعدد الحاجات وغلائها، كثيرة جدا؛ لأننا نتأنق في الكماليات الزائدة، ونحاكي الغير فيها ممن هم أوسع ثروة وأفخم مظهرا، ولا مبرر لنا في ذلك إلا الحرية الشخصية وحب التقليد، أما الحرية فنعمة من الله ورحمة وأما التقليد إلى هذه الدرجة: درجة التلف، فليس من العقل في شيء اللهم إلا إذا ابتغينا به تأييد مذهب دارون في النشوء والارتقاء، ولا أخالنا نبغي التسجيل على أنفسنا بأننا وحدنا من سلالة القرود.
إذا استثنينا الطبقة السفلى من النساء، فإننا نكاد نرى الباقي من الوسط والثريات شبيهات في الملبس والزينة، تضارع الواحدة الأخرى في عدد الخدم وكمية الأثاث ونوعه، فهل يمكن أن نكون كلنا في درجة متساوية من الغنى؟ هذا يستحيل، وإذا لم نكن متساويات في ماليتنا؛ فمن أين نسد هذا العجز في النفقة عن الإيراد؟ جواب صغير مفهوم: من الرجل أبا وزوجا.
إذا تزوجت الواحدة منا كلفت أباها ما لا طاقة له به كي لا ينقص جهازها عن فلانة جارتها أو قريبتها، فإذا قدر فنعم القادر لا انتقاد عليه، ولكن إذا عجز فمن خرق الرأي أن يستدين ليكسب فخرا كاذبا أطول مدته يومان، وإذا تزوجت لم تشأ أن ترى صاحبتها تشتري عشرة أثواب وهي لا تشتري إلا أربعة مثلا، وكيف تجد عند جارتها خمس خادمات فيهن الأوروبيات وليس في بيتها إلا واحدة مصرية وهي تكفيه، فهي دائما تزن نفسها بميزان الغير لا تفتأ تقلده مهما فعل، فإذا لم يكن لها ميراث رفيع خاص بها يصرف في مآربها فإن هذا يحمله الزوج المسكين ولا راحم له يصرف دخله كله، وفي الغالب لا يكون له إلا جعالته الشهرية دخلا، ويحمد الله إذا لم يستدن على حساب الشهر التالي، فإذا فصل من الوظيفة أو لحقه ما يستلزم النفقة كالهرم أو المرض لم يجد شيئا يعتمد عليه إلا رحمة رب العالمين.
علة المباراة الحقيقية هي الحسد، يأكل القلب ويكثر الهم، فلا تطيق صاحبته أن ترى أجمل منها هيئة أو أغنى مظهرا، وتهتم في أن تكون هي المشار إليها بالبنان في المجالس، ويسكرها الطرب إذا ذكر غناها واقتدارها على اقتناء العربات الجميلة والخدم الكثير، وبعضهن تبيع حليها أو شيئا من أملاكها لتشتري سيارة (أوتوموبيلا) أو لتسافر إلى أوروبا، لا لأنها تحب السياحة أو تستفيد من الأسفار، ولكن لأن غيرها فعلت ذلك. ولو تأملنا لرأينا أن الإنسان مهما حاول أن يجعل نفسه الأول في صفة ما فإنه لا يلبث أن يرى أعلى منه وأمكن في تلك الصفة بعينها. تبذل سيدة كثيرا من مالها ووقتها للتفتيش عن أجمل عقد في القاهرة فتجده، ولكن لا تدوم أوليتها به أكثر من أن ترى أخرى عليها عقد أنفس أتت به من الآستانة أو باريس مثلا، وإذا تطلع المرء لغيره لم يقتنع قط بما عنده.
أرى أنه لا يجمل بالسيدة العاقلة أن يستحكم منها داء التقليد؛ لأنه يدل على صغر النفس والإحساس بصغرها (وإذا ذممت المحاكاة هنا فإني لا أقصد المعتدلة منها فقد تكون لازمة أحيانا، وإنما أذم المتطرفة ولذلك وصفتها بلفظة داء).
وإذا كنت بارعة رشيدة فلماذا لا أبتكر في ملبسي ومنزلي ما يجعل غيري من النساء يقلدنني فيه بدل أن أجري دائما وراء ما يفعلن؟
يقول الحديث الشريف: «الناس بخير ما تباينوا.» وهي حكمة بالغة، أو هي كل نواميس العمران ولباب نظامات الاجتماع، وإذا كد الاقتصاديون أذهانهم وألهب الاجتماعيون أدمغتهم يستنبطون القوانين ويسنون النظامات لصالح بني البشر فلن يأتوا بأجمع للحكمة، ولا أدعى لسير هذا العالم سيرا آليا منتظما (ميكانيكيا) أحسن من هذا الحديث على إيجازه. وعليه، فلا يمكن أن يتساوى البشر، ولا يمكن - مع الأسف - أن نكون كلنا غنيات، نحن نريد أن نظهر كلنا بمظهر الموسرات «وهل بالفقر من عاب؟»
الفقر وحده لا ينزل الإنسان من رفعته؛ فالاعتبار بالنفس والفضائل لا باليسر وعدمه، ماذا يضر المجتمع الإنساني إذا كنت أفقر من صاحبتي أو كانت هي أفقر مني؟ بل ماذا تفيد محاكاتي لها إذا كنت لا أستطيعها بمعناها الصحيح؟ هي تقدر أن تتجمل بالثياب الحريرية والماس الكثير من مالها وفضل الغنى عليها، ولكني قصيرة اليد عن الإتيان بمثل ما عندها، أفليست القناعة إذن خير ذخيرة للقاصرات؟!
Неизвестная страница
وقد تكون امرأة ثرية جميلة الملبس يعجبك منزلها ويبهرك أثاثها، وتكون مع ذلك شحيحة لا ينال العاجزين نفعها أو تكون فظة سيئة العشرة، وتكون أخرى غير جمة المال، ولكنها جمة الفضائل محسنة على المعوزين، فأي الثنتين أنفع للإنسانية وأولى بالدعاء؟! أعجب لنا لماذا نتبارى فيما لا يفيد ونترك النافع من الأمور؟!
المباراة تستدعي الإسراف، والإسراف يعجز مالية الزوج ويثقل كاهله بالديون، والمرأة التي تضطر زوجها ليصرف عليها أكثر مما يستطيع لا تخلو من أحد باعثين؛ إما أن تكون تفعل ما تفعل غير عالمة بعواقب التبذير، فهي إذن كثيرة الشطط جاهلة لا تصح أن تكون مديرة للبيت وللأسرة، وإما أن تكون عالمة بمصير مالية الزوج وتفعل ذلك مختارة، كما يفعل كثيرات كي لا يوفرن للرجل ما يمكن أن يتخذه في يوم من الأيام مهرا لحليلة جديدة أو خليلة عنيدة، فهي مزعزعة اليقين كثيرة الشك تقدر البلاء قبل نزوله، ولا بلاء إلا التزوج بمثلها.
وأكثر ما تنزع المرأة للإسراف في مال الزوج إذا كان لها ضرة تقتسم معها فؤاد الزوج وماله، فإنها تصرف بحساب وبغير حساب كي لا يجد ما يقوم بمصروفات ضرتها، أو كي تنتقم منه لنفسها ليعجز عن الجمع بين اثنتين ويندم، وتحسب أن عجزه وندمه يجعلانه يكتفي بها وحدها، ولكن ما أدراها أنه إذا أراد حذف إحدى الثنتين من جدول نسائه لعلها هي تكون المحذوفة الخاسرة.
وعلى ذكر التصرف بمال الزوج أصرح باستهجان عادة التوفير السري الذي يأتيه كثير من النساء ويحسبن ذلك محمدة؛ فيشترين بما يوفرن حليا ولباسا ويزعمن أن أهلهن أتوا به لهن، أو يصرفنه في السحر والخرافة، وفي ذلك منقصتان: نقيصة الكذب ونقيصة السرقة؛ وأسميها سرقة لأنها لا تفرق عن سرقة اللصوص البتة، وربما كانت الأخيرة أخف من الأولى؛ لأن اللصوص فضلا عن كونهم غرباء عن المسروق منه فإنه قد يعثر بهم فيعاقبهم، أو على الأقل لا يهتدي إليهم ولكن يدري أنه فقد شيئا، أما السرقة الأخرى فإنها من أقرب الناس إليه وألصقهم به ثم هو جاهل بالمرة قد لا يهجس بها، فإذا وفرت المرأة شيئا فإن ذلك يعد مهارة لها واقتدارا، ولكن لتريه لزوجها فيعطيها إياه عن طيب خاطر وسماح، فذلك أهنأ لها وأشرف.
والخلاصة، أن الغنى ليس متيسرا لكل فرد فأولى أن يلزم كل حده؛ لئلا يكون مثلنا كمثل الضفدع التي أحبت أن تبلغ كبر الثور؛ فاستعانت بالماء فانفجر جوفها فماتت، ولتعلم المرأة أنها وكيلة الزوج في ماله وبيته، والوكيل يجب أن يكون أمينا تقيا، وأن التكالب على المباراة صفة مصغرة للنفس، وإني لأزعم أن رجالنا وأبناءنا يقل فيهم الباحث ويندر المخترع أو لا يكاد يوجد؛ لأننا متشبعات بحب التقليد لا تتجدد همتنا بالبحث والاستنباط؛ فيكون لهم من زوجيتنا وأمومتنا محك لأفكارهم أو أسوة ومثال حسن.
المبدأ الرابع: سرعة الغضب والتهديد بالفراق
اتحاد الزوجين وارتباطهما بالحب الصادق هما السعادة الكبرى التي نفتقدها، والتي لا غنى لأحد المتزوجين عنها، ولو رأى سعادة أخرى في غير ذلك؛ فالممول الذي يحسب نفسه سعيدا إذا أحرز الملايين، والعالم الذي يغبط نفسه إذا اشتهرت تعاليمه، والسيدة التي ترى هناءها في اقتناء النفائس، كل هؤلاء مع فرحهم بما وفقوا إليه لا يستغنون عن تلك المحبة الزوجية ، ولا يستكملون سعادتهم وهي ناقصة؛ لأن الإنسان مهما قويت إرادته لا يستطيع أن يتفرغ لأعماله ويفكر وعنده شاغل يزعجه، ولشد ما يقاسي أحد الزوجين من تنغيص الآخر له.
ومن أكبر دواعي الكدر والتنغيص أن تفعل الزوجة لأقل كلمة وترجع إلى قومها غضبى آسفة.
عادة التهديد بالفراق شائعة عندنا شيوعا هائلا مستهان بها كثيرا، فكما ترى الرجل يحلف بالطلاق لغير داع كذلك ترى المرأة تنهزم من بيت زوجها لأوهى الأسباب، يهدد بعضهما البعض بالانفصال في عرض كلامهما، يريد أحدهما بذلك بث خوف الفراق في نفس الآخر ليخشاه، وما من زوجين مرتبطين برابطة ما إلا ويخشيانه، ولكن فاتهما أن ذكره ساعة الغضب مما يثير العواطف ويعلو بالنفس إلى سماء عزتها، وكيف يرضى إباء المهدد وغيظه محتدم أن لا يطلب ما يهدد به ويستخف بالعقاب وإن عظم، فينسى الحقيقة والصالح ويدوس العقبى؛ تفاديا من ضيم نفسه المثارة الهائجة، ولا يشجع النفس الجائشة أكثر من تذكيرها بالخوف، كالجند إذا صح عزمها على القتال، وكانت على حق منه، تراها أكثر ما ترمي بنفسها في حلق الموت حينما ترى نار الحرب مستعرة متأججة، فشدة الموقف تذهب الخوف وتبعث على الإقدام، والغضب كذلك إذا أرخي له العنان ملك صاحبه، ورمى به إلى حيث لم يقدر وهو حليم، والمرأة التي تتغنى دائما بذكر الفراق لأقل خلاف يحدث بينها وبين حليلها أو بينها وبين أهله، قد لا تأمن أن يصدر عليها حكم الفراق المؤبد من زوجها ساعة الغضب، وهي لم تكن لتعضده بالجد وإنما كان هزلا وعادة مستقبحة، سمعت أن إحدى السيدات كانت تطلب الفراق من قرينها كلما شجر بينهما خلاف بسيط أو كلما كدرتها حماتها، وقد تشبثت بذلك الطلب مرة وألحت فيه وألحفت، فسألها الزوج هل تبغي الطلاق حقيقة؟ فأجابت نعم، فلم يسعه إلا أن أخذها إلى القاضي ليترافعا إليه ويتخاصما، وبعد أسئلة وأجوبة رأى القاضي أنها مصرة على تنفيذ رغبتها فأصدر حكمه بالطلاق، ولم يكد يتم كلمته حتى صرخت وأعولت وندمت على ما جنت، ثم طلبت أن ترد إلى زوجها ثانية، فما هذا التناقض واللعب؟! إن هذه المرأة مثلها كثيرات يجنين على أنفسهن وأولادهن، ويبعثرن أسرا كانت ملتئمة لولا الحمق واللين. إذا تعسر عيش المرأة مع زوجها صافيا تعذر إذا طلبت الفراق، وأما إذا كان ذلك تجنيا ومزاحا، فالزوجة أحكم من أن تفصم عراها في التجني والمزاح.
الوالدان أو الأهل لا يزوجون بنتهم إلا وهم راسمون لها خطة سعادتها المستقبلة، ومقتنعون بها ومقررون هدوء بالهم من جهتها، فما أحراها أن تحقق ما يرجون! وهي الواجب بطبيعة الحال أن تخفف مسئوليتها كثيرا عن عاتقهم، أما وهي تشكو لهم مما لا يوجب الشكوى فإنها تبدل صفاءهم كدرا وتأتي بعكس ما كانوا ينتظرون.
Неизвестная страница