وربما استطاعت أخته إلهام أن تخفف بنجاحها المطرد وطء خيبة فكري.
وكانت وهيبة تقول: الخيبة هذه لا قاعدة لها ولا أصول، أنا ربيت فكري ومجدي وإلهام، وربما كنت أكثر اهتماما بفكري فهو ولدي الأول، والإنسان إنسان وليس ملاكا، ومع ذلك فاز هو بالخيبة والآخران ناجحان والحمد لله.
وعلماء التربية يقولون البيت وثقافة الآباء والاهتمام والبيئة ووجع الدماغ. كلام كله فارغ وإلا فليفسر لي أعظم عالم في التربية سبب خيبة فكري ونجاح أخته وقريبه الذي يعيش معهما نفس الظروف، وحياتك يا أختي الخيبة موهبة من عند الله، أنا عندي ليسانس آداب وكان المفروض أن أصبح مدرسة. كل كلام علماء التربية لا يساوي قرشا.
ولم يكن كل هذا وغيره كثير ليؤثر في حرص فكري على التخلف في الدراسة مع الذكاء العقلي المفرط، فقد كانت المذاكرة بالنسبة إليه كارثة من الكوارث الكبرى، وفي غير ذلك هو فتى مولع بكل ما يولع به أبناء سنه من رياضة وألعاب وبنات وفسحة، قريب إلى قلوب أصحابه يحبون صحبته ويسعون إليها.
ومن بين هؤلاء تعرف على حمدي الفنجري وعلى هشام دردير. أما الأول فأبوه كان نجارا وله محل صغير للموبيليا والتنجيد، وأما الآخر فأبوه مدير عام بالسكة الحديد، وكون هذا الثالوث وحدة لا تنفصم، ولم يقطع فكري صلته بمجدي كل القطع، إلا أن انصراف مجدي إلى المذاكرة في أوقاتها جعل الصلة بينهما هينة، فمجدي صديق الثالوث كلما أراد أن يروح عن نفسه أو يذهب إلى السينما أو إلى النادي.
وحين وقعت أحداث 67 كان أثر الأحداث على مجدي مروعا، أما الثلاثة الآخرون فإن الأمر لم يهز لهم أي كيان، وإنما اضطر ثلاثتهم أن يتظاهروا بالحزن مع الحزن العام الذي زلزل الجميع.
وفي انتصار 73 كانت الدنيا كلها إشراقا في عيني مجدي، بينما الدنيا كلها لم يتغير منها شيء عند الثالوث الآخر.
إنهم جميعا أبناء جيل واحد، ولكن هيهات أن تتوحد المشاعر في أبناء أي جيل، حتى وإن توحدت بينهم الظروف البيئية، إنما تتشابه هذه المشاعر إذا كان الوعي الثقافي متقاربا في أفراد الجيل، فالذي شعر به مجدي شعر به أصدقاؤه في كلية الهندسة، لا يكاد يشذ عنهم إلا قلة نادرة تقاذفتها آراء متطرفة أو أفكار لا استواء لها، ولكنهم يظلون مع ذلك قلة نادرة لا تكاد تذكر.
أما فكري وصاحباه ومن كان مثلهم فهم في عالم خاص بهم، بعيد كل البعد عن دنيا الوطن، وعن فرح زملائهم في المدرسة.
يبدو أن الأجيال ليست سنوات ينتسب إليها أبناء الفترة الواحدة، ولكنها قدر من التثقيف إذا تقارب فيه الأفراد كونوا وحدة الجيل. •••
Неизвестная страница