От вероучения к революции (4): Пророчество – Воскрешение
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Жанры
فكما أن الخلق نعمة فإن التكليف نعمة الخلق في الطبيعة ونعمة التكليف في الحرية، صحيح أن التكليف يبطل بعقيدة الجبر، فكيف يتم التكليف وكل شيء يتم بقدرة الله بما في ذلك أفعال المكلف، ولكنه لا يبطل بحرية الاختيار وهي أحد مكتسبات العدل. إن التكليف يكون قدحا في النبوة على افتراض الجبر، ولكنه لا يكون قدحا إذا كان قائما على حرية الاختيار؛ وبالتالي يكون للوحي مبررات وجوده، وإذا كان التكليف إضرارا عاجلا فإن ذلك من أجل منفعة آجلة؛ مشقة الاستيقاظ مبكرا للصلاة لا تعادلها منفعة الأفعال المبكرة وفوائد الصلاة، ومشقة الصيام لا تعادلها مآثره في السيطرة على النفس والإحساس بالآخرين، ومشقة الجهاد والتضحية بالنفس لا يعادلها نصر الأمة وبقاء الحق، والثواب والعقاب متضمنان في الأفعال.
39
والفعل القبيح يتضمن عقابه من داخله؛ تأنيب الضمير وحكم الناس، والقصاص من الأفراد فيه حياة للمجموع، وإن غاية التكليف هو تحقيق الرسالة وازدهار الحرية وكمال الطبيعة وتحقيق إمكانيات الوجود الإنساني، والتكلف تكليف قبل الفعل بما يطاق، في حدود الطاقة والقدرة والأهلية؛ وبالتالي فهو ممكن، وليس تكليفا من الخارج، بل هو التزام داخلي تعبيرا عن قدرات الإنسان على تغيير العالم. ليست الغاية معرفة نظرية بالله، بل هي تكليف عملي، وهو تحقيق المعرفة النظرية بالفعل، فالفعل ليس ضعفا في النظر، بل تحقيق وإتمام له.
فإذا ما تم الاعتراف بالبعثة وإمكانها، فإنه قد يمتنع وقوعها نظرا لمعارضة الشريعة لمقتضيات العقل؛ وبالتالي لا تكون من عند الله، مثل ذبح الحيوان وإيلامه، وتحمل الجوع والعطش في أيام معينة، ومنع الملاذ التي بها صلاح البدن، والتكليف بالأفعال الشاقة، وتفضيل بعض الأماكن على البعض الآخر، والإتيان ببعض الشعائر التي لا توافق العقل، والالتزام ببعض الأحكام التي تعارضه، مثل تحريم النظر إلى الحرة الشوهاء وإباحته إلى الأمة الحسنة.
40
والحقيقة أن هذه الأشياء لا تطعن في النبوة وتجعلها مستحيلة؛ لأنها ليست جوهر التوحيد، فالوحي لا طقوس فيه ولا شعائر، والعبادات فيه صورة والمعاملات هي المضمون، ويمكن القيام بالصورة دون المضمون أو تمثل المضمون بصور أخرى، فالطقوس لا تمس جوهر الوحي، ومع ذلك يمكن إدراك دلالاتها وأخذ الدلالة وترك الأشياء الدالة؛ فالبعض منها رموز مثل رمي الجمرات والسعي بين الصفا والمروة، ويمكن إيجاد دلالاتها في التجربة البشرية فيما يتعلق بالذكريات ورغبة الإنسان في زيارة الآثار والأطلال وأماكن المحبين ومنازل الشعراء وآثار المفكرين للرجوع بالذهن إلى الماضي وتذكر سير الأبطال واسترجاع حياة المجاهدين، والسعي رمز للجهاد، ورمي الجمرات رمز للنضال، كما يمكن إسقاطها كلية كما فعل الحكماء، ولكن العامة في حاجة إلى طقوس وشعائر واحتفالات ومواكب، والوحي أتى للجميع، عامة وخاصة؛ وبسبب هذا الجانب اللاعقلي في صور العبادات رفض الفقهاء التعليل وأبطلوا القياس، ولكن يظل التعليل أساس الأحكام ويظل القياس أصلا من أصول التشريع؛ فليس كل ما في الشريعة مضادا للعقل، بل إن الأحكام التي بها صلاح العباد، أي كل ما يتعلق بالمعاملات، يمكن فهمها بالعقل وإدراك غايتها وقصدها.
والشريعة في نهاية الأمر وسيلة لا غاية، وسيلة يحصل بها الإنسان على فائدة، ولكنها ليست الوسيلة الوحيدة؛ فالصيام مثلا وسيلة للإحساس بالآخرين جوعا وعطشا، ولكن يمكن للإنسان أن يشعر بذلك دون الصيام وحده، وذلك بالالتزام بقضايا الفقر ومشاكل الجماعة، وإذا كان الصيام نوعا من الراحة للبدن، فإنه يمكن للإنسان أن يخفف من طعامه وشرابه وقاية للبدن وحرصا على صحته، وإذا كان الصيام يدل على أن للإنسان إرادة على بدنه وقدرة على التحكم في وظائفه العضوية، فيمكن للإنسان أن يمارس هذه الإرادة في مواقف اجتماعية في حالة حصار أو سجن أو فقر، وبنفس الطريقة إذا كانت الغاية من الصلاة هي الاطمئنان الداخلي وحضور الفكر اليومي والرجوع إلى الباطن لتعادل الكفة مع مشاغل اليومية، فيمكن تحقيق هذه الغاية لا بالصلاة وحدها بل بالتفكر أو التأمل أو الاكتفاء بالفنون والآداب والعلوم، وإذا كانت الغاية من الصلاة الإحساس بالوقت ووقوع الأفعال في الزمان والإحساس بالفور، وبأن لكل لحظة فعلا، وإلا لكان الفعل قضاء، فإنه يمكن الحصول على هذا الإحساس بالزمان ليس بالصلاة وحدها، ولكن بالإحساس بالعمر والشعور بالغاية والرسالة وبضرورة العمل على تحقيقها، ووضع خطة يومية للتنفيذ على مراحل، وإذا كانت الغاية من الصلاة صحة البدن وسلامة الأعضاء ونظافة الجسم بالحركات والقيام والقعود والوضوء والطهارة، فإن الإنسان يستطيع أن يحصل على هذه الفائدة لا بالصلاة وحدها ولكن عن طريق الرياضة البدنية وبالنظافة الدائمة، وأخيرا إذا كانت الغاية من الزكاة هي إحساس الإنسان بأن ما يملك ليس له، وبأن للآخرين حقا فيه، فإن الإنسان بطبيعته وبفكره وبنظام الوحي لا يملك شيئا، وكل ما في الواقع يستخدم لمصلحة الجماعة؛ فلا يوجد حق للأنا وللآخر، بل يوجد حق للجماعة، وإذا كانت الغاية من الزكاة سيولة المال ورفض كنز الأموال، فإن الإنسان بفكره وتنظيمه لاقتصاده يمنع اكتناز الأموال؛ فالمال للاستثمار وليس للاكتناز. العبادات إذن معقولة ولها أسسها الواقعية في مصلحة الإنسان، ولا تقوم على مجرد قرار أو سلطة أو رسم أو صورة، حتى إنه من الصعب وصفها بأنها طقوس أو عبادات، بل هي أفعال.
41
وبالتالي يبرز سؤال، لماذا إذن العبادات والشرعيات إذا كان الإنسان يستطيع الوصول إلى غاياتها بأساليب أخرى؟ لا يستطيع ذلك إلا من أوتي حظا من الوعي والثقافة، وهو ما لا يتأتى للجميع، ولما كان الوحي أسلوبا في مخاطبة الجميع فإنه أتى بهذا الأسلوب في التعامل حتى يسهل على الجميع فهمه وتطبيقه والعمل به، فالخاصة والعامة معا قادرون على حد سواء على فهم العبادات، ولكن الخاصة وحدهم هم القادرون على الحصول على الغايات بوسائل أخرى، وإذا كان المجتمع كله خاصة واستطاع أن يكون على درجة من الوعي والثقافة، فإنه يصل إلى نفس الغايات بوسائل متعددة، ولكن اتحاد الوسائل قد يكون أيضا نوعا من توحيد السلوك وأكثر ضمانا للوصول إلى الغايات من وسائل أخرى ما زالت تحت التجربة، وهو ما لاحظه الحكماء من قبل؛ فالفلسفة والشريعة متفقتان في الغاية وهو صلاح النفس وتحقيق كمالها، وكأن الأخلاق هي نقطة الالتقاء بين الفلسفة والشريعة؛ فإذا ما أدى تطبيق الشرائع إلى نفاق بغياب الفضائل الداخلية وحضور الصور الخارجية أتت الفلسفة لتعيد إلى الصورة مضمونها وإلى الشريعة حياتها، وإذا خير العاقل بين التقوى دون الشرائع أو بين غياب التقوى وحضور الشرائع لكان الأول هو الأكمل. أما فيما يتعلق بذبح الحيوان وإيلامه فلا يكفي لإثبات شرعية ذلك أن يقال إنه مسموح به من قبل المالك، فهذا تصور خارجي للشرعية، وجعل العقل والطبيعة معا تابعين لإرادة خارجية إنما يمكن فهم ذلك باعتبار أن الإنسان سيد الكون، وكل شيء مسخر له. ولماذا الرفق بالحيوان والرفق بالإنسان أولى؟ لذلك هناك قانون الاستحقاق وقانون العوض عن الآلام كي يعيش الإنسان راضيا عن نفسه مقيما للعدل ونافيا للجور والظلم. (3) النبوة ممكنة
إن لم تكن النبوة واجبة أو مستحيلة فهي ممكنة أي جائزة، والقول بوجوبها وضرورتها لا يحتاج إلى إثبات، والقول باستحالتها في حاجة إلى دلائل نفي. أما القول بإمكانها فهو في حاجة إلى إثبات، ووقوعها بالفعل دليل على إمكانها وكأن وقوع الشيء بالفعل أكبر دليل على إمكانه. لا يثبت إمكان النبوة أولا ثم وقوعها ثانيا على ما هو معروف من أسبقية الفكر على الواقع، والمبدأ على الحادثة، ولكن يثبت إمكان النبوة بعد وقوعها؛ أي بأسبقية الواقع على الفكر. لا يتم إثبات النبوة قبليا استنباطيا بل يتم بعديا استقرائيا. يثبت الإمكان من الوقوع ولا يثبت الوقوع من الإمكان، وهو ما يتفق مع التوجيه العام لعلم أصول الدين في اعتبار مبحث الوجود سابقا على التوحيد، وأن معرفة الحادث هو الطريق إلى معرفة القديم، وبلغة الحكماء، سبق الطبيعيات على الإلهيات. ما دامت الرسالة واقعة فالنبوة ممكنة الوقوع؛ ومن ثم كان إنكار النبوة أو القول باستحالتها إنكارا للواقع وهدما للضرورة، وما دامت نبوة محمد، ونحن عليها، قد وقعت، فالنبوة جائزة حتى لا يقول أحد أنا لا أدري هل النبوات السابقة قد وقعت أم لم تقع؛ فإمكان وقوع النبوة من وقوعها بالفعل كما أن إثبات الحركة يكون بالحركة بالفعل، ولكن، ماذا نفعل بمن لا يسلم بوقوعها وينكر حدوثها بالفعل؟ هناك القرائن الحسية وفي مقدمتها الكتاب المدون والمقروء والنقل المتواتر. وهل يثبت الواقع فكرا؟ وهل تشرع الواقعة للمبدأ؟ نعم، فلا شيء يسبق الواقع شرعا، وشرعية المبدأ إنما تكمن في واقعيته، وفي علم أصول الفقه أن وضع الشريعة ابتداء ووضعها للأفهام هو في نفس الوقت وضعها للامتثال ووضعها للتكليف.
Неизвестная страница