الاختلاف دليل الحدوث
أما الطرف الأول: وهو أن الاختلاف دليل الحدوث، فتقريره بما ذكره الأصحاب في كتبهم الكلامية وهو أن يقال: لا بد أن يكون بين الدليل والمدلول من تعلق على وجه لولاه لما وجب أو لما صح أو لما اختير أو لما حسن، وإلا لم يكن بأن يدل أولى من أن لا يدل، ولا بأن يدل عليه أولى من أن يدل على غيره.
أما الأول: فمثاله في حصول المسببات عن أسبابها الموجبة لها وذلك كانكسار الزجاج عن وقوع الحجر عليه بشدة، فإنه لولا وقوع الحجر عليه بشدة لما وجب انكساره.
ومثال الثاني: ما يصدر عن الفاعل المختار من الأفعال المختلفة في دلالتها على الفاعل وعلى أنه قادر عالم حي بأن يقال: لولا أنها لفاعل لما صح وجودها بعد عدمها، ولولا أنه قادر لما صح وجودها تارة وعدمها تارة أخرى، ولولا أنه عالم لما صح إحكامها، ولولا أنه مختار لما صح اختلافها، ولولا أنه حي لما صح جميع ذلك.
ومثال الثالث: ما نقوله في الاستدلال على عدل الله تعالى وحكمته وتنزيهه عن فعل القبيح بأن يقال: لو فرض منه تعالى فعل القبيح من تعذيب من لا يستحق العقاب كما يقوله أهل الجبر من خلق الأفعال والتعذيب عليها وإرادة القبيح وتكليف ما لا يطاق لما يلزم في فعل القبيح من الحاجة إليه أو الجهل بقبحه لولا أنه محتاج أو لولا أنه جاهل لقبح القبيح لما اختاره، لكنه قد ثبت أنه تعالى عني وعالم بقبح القبيح فيتعذر صدوره منه.
ومثال الرابع: ما نقوله في الاستدلال على ثبوت نبوة من ظهرت المعجزات على يديه بعد ادعائه النبوة بأن يقال: لولا أنه نبي صادق لما حسن من الله تعالى إظهار المعجز على يديه لأن إظهار المعجز على يد الكاذب بمثابة تصديقه، وتصديق الكاذب في كذبه كذب قبيح والله تعالى لا يفعل القبيح.
Страница 73