وتمسَّكوا أيضًا بحكاياتٍ كثيرة عن المشايخ ذكرها القشيري وغيره، زاعِمين أنَّ هؤلاء المشايخ عُرِفت فضائلهم وصحَّت كراماتهم، فإطباقهم على حُضور مجالس السَّماع والغِناء وتواجُدهم وركضُهم وزفنهم دليلٌ على إباحة ذلك؛ وجوابُه: أنَّنا لا ننفي جوازه إلاَّ عند وجود نحو تثنٍّ وتكسر، فمن أين أنَّ أولئك المشايخ تثنَّوْا وتكسَّروا، سلَّمنا أنهم فعلوا ذلك فمن أين أنهم لم يحصل [ز١/ ١٣/ب] لهم وجدٌ أخرجَهُم عن حالة الاختِيار إلى حالة الاضطرار، على أنَّا لا نسلِّم صحة تلك الحكايات عن أولئك، فلعلها ممَّا أدخَلَه أهل الزندقة على أهل الإسلام، كما كذبوا على رسول الله ﷺ بما لا يُحصَى، سلَّمنا صحَّتها وأنهم فعلوها اختيارًا، فالحجَّة فيما جاء عنه ﷺ وعَن الأئمَّة بعده، وقد بينَّا أنَّ ذلك لم يكن طريقهم ولا سبيلهم، وأنَّ ذلك ممَّا حدث بعدهم فقد تناوله قوله ﷺ: «كلُّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلُّ بدعةٍ ضَلالَةٌ» (١).
وظُهور الكرامات لا تدلُّ على العصمة، بل على قُرب مَن ظهرت عليه فِي حال ظُهورها عليه مع جواز تلبُّسه بعد ذلك بكبيرةٍ يتوبُ الله عليه منها؛
_________
(١) أخرجه أحمد (٣/ ٣١٠)، ومسلم (٨٦٧)، وابن ماجَهْ (٤٥)، والنسائي (٣/ ١٨٩) من حديث جابر بن عبدالله ﵄ قال: كان رسول الله ﷺ إذا خطب احمرَّت عيناه وعلا صوتُه واشتدَّ غضبه حتى كأنَّه منذر جيش، يقول: «صبَّحكم ومسَّاكم» ويقول: «بُعِثتُ أنا والساعة كهاتين»، ويقرن بين إصبعَيْه: السبابة والوسطى ويقول: «أمَّا بعدُ، فإنَّ خير الحديث كتاب الله، وخيرَ الهُدَى هُدَى محمدٍ، وشرَّ الأمور مُحدَثاتها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة»، ثم يقول: «أنا أولى بكلِّ مؤمنٍ من نفسه، مَن ترك مالًا فلأهله، ومَن ترك دينًا أو ضياعًا فإليَّ وعليَّ»، هذا لفظ مسلم.
1 / 58