وحمله ابن بطال على ما يتشاغَل به أهلُ المسجد، كما تأوَّل أبو عبيدة حديث: «لأنْ يمتلئ جوفُ أحدِكم قيحًا خيرٌ له من أنْ يمتلئ شِعرًا» (١) بأنَّه الذي يغلب على صاحبه.
(تنبيه ثانٍ) يحرم سَماع الغناء من حرَّةٍ أو أمة أجنبيَّة؛ بِناءً على قولٍ عندنا أنَّ صوت المرأة عورة، سواء أخاف فتنة بها أم لا، وكلام الشيخين فِي الروضة وأصلها فِي ثلاث مواضع يقتضي أنَّ هذا هو الراجح فِي المذهب، ونقَل القاضي أبو الطيب إمام أصحابنا [ز١/ ٧/أ] عن الأصحاب ولو من وراء حجاب (٢)، وصرَّح بالتحريم القاضي الحسين أيضًا وادَّعى أنَّه لا خِلاف فيه مستدلًاّ بالحديث الصحيح: «مَن استمع إلى قَيْنَةٍ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ» (٣)؛ أي: الرَّصاص المذاب، قال الأذرعي: ولو لم يكن المغني والمغنية محلَّ الفتنة ولكن استماع الغناء منه يبعَثُ على الافتِتان بغيره من الناس، فهو حرامٌ؛ لما فيه من الخبث، وتحريك القلب الخَرِب إلى ما يَهواه، لا
_________
(١) متفق عليه: البخاري (٦١٥٥)، ومسلم (٥٨٠٣) من حديث أبي هريرة ﵁.
(٢) "روضة الطالبيين" (١١/ ٢٢٨).
(٣) أخرجه ابن عساكر (٥١/ ٢٦٣)، وأورده الشوكاني في "نيل الأوطار" (٨/ ١١٣) بلفظ: «مَن قعد إلى قينةٍ يسمع صُبَّ في أذنه الآنُك»، وعَزاه إلى أبي يعقوب محمد بن إسحاق النيسابوري، وأورده ابن حجر في ترجمة "عبيد بن هشام" فقال: قال الآجري: عن أبي داود ثقة، إلا أنَّه تغيَّر في آخِر أمره، لُقِّنَ أحاديث ليس لها أصلٌ، لُقِّنَ عن ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن أنس حديثًا منكرًا، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال الحاكم: أبو أحمد حدَّث عن ابن المبارك عن مالك بن أنس أحاديث لا يُتابَع عليها.
قلت: وقال صالح جزرة: صدوق، ولكنَّه ربما غلط، حَكاه الحاكم في "تاريخه"، وقال أبو العرب القيرواني في "الضعفاء" قال أبو الطاهر أحمد بن محمد بن عثمان: "عبيد بن هشام" ضعيفٌ، وقال الخليلي: صالح، وأخرج الدارقطني في "الغرائب" عن ابن المبارك، عن مالك، عن محمد بن المنكدر، عن أنسٍ رفعه: «مَن قعَد إلى قينة يستمع منها صُبَّ في أذنَيْه الآنُكُ يوم القيامة»، قال الدارقطني: تفرَّد به أبو نعيم، ولا يثبت هذا عن مالك ولا عن ابن المنكدر.
1 / 36