فدموعي وقف لهذا العماد
آه لورانس كم رأيتك في حل
م ليالي مثل زهر الوادي
قربك الزوج باسما بهناء
وحواليك أجمل الأولاد
باريس في 16 أيلول سنة 1800
منذ تراءت لي وعرفت الشارع الذي تسكنه أصبحت أتوق إلى منفاي الأبدي بين جبال فلنيج، حيث أصغي إلى أصوات السماء وأنغام الطبيعة، نظير آدم عندما نفي من حدائق الله وجلس يتسمع إلى أصوات السعادة تبتعد عنه!
هذه الليلة، خرجت إلى الظلام الحالك وكان الشتاء المتساقط على الرصيف يخنق وطء أقدامي المتثاقلة، ولما بلغت الفندق، حيث تسكن لورانس جلست في زاوية مظلمة على حافة مقعد حجري كما يجلس الفقير على أبواب الأغنياء فأبصرت الشباب تقله المركبات الفخمة إلى أماكن اللذات، حيث ينطرح بين أذرع الغواني باذرا ما في جيبه من المال وما في قواه من الفتوة، وحولت نظري إلى زجاج النافذة فشاهدت الجباه السكرى بخمرة الأهواء تلمع على ضياء المصابيح، وسمعت أصوات النساء والرجال وأنغام الموسيقى كأنها نسمات الملذات التائهة، وشعرت بهذه الأفراح تغرز في نفسي حديدة ملتهبة وهي صاعدة من هذه الجدران الرطبة، فخلت أن النزع والموت يضطربان في كل صدر من تلك الصدور، وأقدمت على الدخول إلى تلك الحفلة غير أني عدت فترددت قائلا في نفسي: «إذا دخلت فجأة وتلاقى بصري ببصرها، إذا حطمت بأقدامي هذه الكئوس الملأى باللذات، إذا نزعت هذا الملاك من بين هذا الفساد وأرجعت البراءة والحياة إلى جبينها الشاحب، أجل، إذا فعلت ذلك فأي حق من الحقوق يخولني أن أكون بريئا تجاه القانون؟ ألم أرفض أن أكون أخاها؟ ألست غريبا عنها وهي غريبة عني منذ تلك الساعة التي ودعتها فيها إلى الأبد؟ آه! لم يعد يحق لي أن أباركها، وأصلي من أجلها، وأبحث عنها وأبكيها إلا في الله! لم يعد يحق لي أن أسرع لنجاتها، وأنا الذي تمنيت مرارا أن أموت في سبيلها!» قلت ذلك وضممت حافة الحجر إلى صدري ثم أجهشت بالبكاء مصليا! •••
رب اغفر لها! إنها لم تجئ إلى هذا المكان إلا لتبحث عن ذلك الحب الذي طرحته على أقدامها وهي فتاة! أنا وحدي حفرت في قلبها ذلك الفراغ الذي لا تملؤه سعادة شاحبة كهذه! فليسقط العذاب على نفسي مع الجريمة! اضرب الخادع يا الله ودع الضحية آمنة! أرجع إلى ذراعيك أيها الراعي الصالح تلك النعجة الضالة! تلك النفس التي شربت كأس الحب وتحاول أيضا أن تملأها من ينبوعها الناضب، من يدري ماذا كانت السماء قد سكبت في إنائها لو لم تحطمه تحت أضراسها؟ من يدري أي كنز لا يزال مختبئا في نفوسها؟ من يدري إذا لم تكن تتمنى أن تكون المجدلية لتذرف دمعها على شعرها وتغسل به ذنوبها الماضية مذيبة على قدميك طيوب نفسها التائبة! رب! اقبل دموعي عوضا عن دموعها، ولتطهر خطاياها بماء عيني!
أنصف الليل وسادت سكينة عميقة في ذلك الفندق، فإذا بي أسمع يدا تفتح نافذة فوق رأسي، وكان القمر قد برز في السماء وألقى أشعته الصفراء على شرفات المنازل، فرفعت عيني فتراءى لي خيال امرأة، ولما أمعنت النظر فيها تبينت نحولها الجميل، فإذا هي لورانس! لقد أنضج العالم جمالها الملكي بدون أن يذبله! لورانس! أجل، أبصرت عنقها الطويل منحنيا بألم على كتفها العارية كأنه يحمل أثقال الملل والتذكارات، ورأيت وجهها الشاحب تنعكس عليه ألوان البدر، وشعورها الشقراء تتدلى على حديد النافذة، وشممت رائحة النسيم تنبعث معطرة من كل طية من طيات ردائها! •••
Неизвестная страница