7 تشرين الثاني في الصباح
قضيت الليل على فراش لورانس، ساهرا على آلامها، مغسلا جراحها من الدم، وفي المساء، عادت إليها شاردات الحياة فرفعت رأسها إلي، وقالت: «لقد خدعتك يا جوسلين فسامحني؛ لأن والدي شاء ذلك قبل موته ولم أجد بدا من احترام مشيئته، طالما حدثتني نفسي أن أكشف لك عن سريرتي، غير أن يدا قوية كانت توقف لساني عن القول، ولا أدري أي خجل كان ينسدل علي عند ما أحاول أن أوقفك على أمري، ثم إني كنت أعرف ما تنطوي عليه نفسك من الميل إلى الترهب فأكتم عنك كل شيء مخافة أن تقول لي ما لا أتوقعه، فأضطر إلى قتل نفسي على قدميك، والآن أشعر بالموت يدنو مني شيئا فشيئا، فالهوة قد أخذتني وحدي وتركتك للحياة، عش بعدي يا جوسلين واذكرني في مطارح غربتك، واغفر ذلك الذنب الذي اقترفته نحوك واضرب صفحا عما مضى ...» •••
آه! هل عند الملائكة مثل ما عندها من الفضائل؟ أيقدرون أن يمزقوا أنفسهم في فؤاد من يحبون؟ - أجل، إني أسامحك يا لورانس، فالحب الذي رفعته على مذبح التضحية هو أسمى من الغفران، إني أحبك فاحيي طويلا لتسمعي كلماتي صاعدة من أوتار قلبك، ولينرنا الله بمصباحه الإلهي.
في 8 تشرين الثاني 1894 - لقد كنت لي خير طبيب، قالت لورانس وعلى شفتيها خيال ابتسامة لطيفة، كنا صديقين فأصبحنا أخا وأختا! - أخ! أخت! آه! ألا يوجد كلمة أعذب من هاتين الكلمتين؟ - إذن أنت تحبني يا جوسلين، تحبني بعد ذاك القسم الرهيب! - أجل، أحبك! كان الأحرى بك أن تطلعيني على أمرك قبل الآن، يجب ألا يخفي محب شيئا عن محبه، لقد عرضت نفسك مرارا إلى الريبة فنزل الحب منزلة الشفقة من قلبي؛ لأن صوتك كان يختلف عن صوت الرجل، وعينيك الجميلتين كانتا ترميان قلبي بسهام أقوى من سهام العيون، أجل أحبك! فما من قسم يربطني حتى الآن، ولكن، يجب ألا تفكري اليوم بسوى الحياة، وأن تهتمي بصحتك قبل اهتمامك بشيء آخر، لقد انهدم الصخر وسدت طرقات الأودية بأكواد الثلوج، فلا مخرج من هنا قبل مجيء الصيف. - سأحيا يا جوسلين، قالت بصوت موسيقي، فحبك الشريف يناديني من أعمق أعماق الموت! سأعيش سعيدة طيلة حياتي، فلا يهمني أي قسم يغلل أيامك إذا كان الخالق يسمح لي أن أتبعك، وأسمع صوتك وأراك في أي مكان شاء! يكفيني من الحياة أنك تحبني وأن قلبك ملكي! •••
قلت للورانس: «ربما لم تكوني عارفة أن الله يحكم على الراهب بأن يكون مترمل القلب، ويمنع عنه ذينك الاسمين اللطيفين: الحبيبة والزوجة، إذا أراد المبدع أن أتطوع لخدمة المعبد فأضطر إلى شرب دمي من ذلك الكأس، وإلى العيش بعيدا كل منا عن الآخر.» - إذن، أجابت، فأحرى بك أن تقتلني! بماذا أنت تفكر الآن؟ إن الله الذي جمعنا في هذه الأماكن الرهيبة، ألقاني بين يديك كما يلقى الولد المهمل بين ذراعي امرأة غريبة فتتعهده بحنانها وتسهر عليه سهر الأم على وحيدها، أتلقي بي بعد ذلك بين ذراعي. حظي مائتة وباردة كالقبر، أتقول للإله: «مات أخي الوحيد!» أتقف له حياتك وحياتي كالبخور؟ ماذا، ألا يلعن ذلك النذر، وينادي باسمي ضميرك الملسوع؟ آه! لا، فإرادة الله لم تعد مشكلة يصعب حلها، وأنا أئتمنه على قلبك الذي فتحه لي بيده الشفيقة، أجل! إن سعادتي لشريعتك، وما من سعادة، وما من فضيلة في هذا العالم بدوني.
قالت ذلك ثم أجلستني على فراشها وتنهدت قليلا واستطردت قائلة: «أقسم لي، أقسم لي يا جوسلين لشقيقتك المسكينة، ليتيمك الصغير، أقسم أمام المبدع القدير أنك لن تهجرني، أجل، أقسم، فموتي وحياتي يتنازعان بين شفتيك»، ثم جعلت تحدق إلي مستعطفة متوسلة، فنظرت إليها نظرة تجسم فيها القسم وطبعت على يدها المضطربة قبلة حرى أعادت إليها الحياة! •••
أخذت لورانس تنتعش رويدا رويدا، وفي هذا الصباح تركت فراشها لأول مرة وخرجت من الكهف متكئة على كتفي، أيتها الشمس الجميلة، هل أنرت مرة مثل هذه الزهرة الذابلة على قممك المرتفعة؟
كم أحب أن أشعر بثقل ضعفها على كبدي، وأن أعرف أن قدميها، قدميها الواهيتين، لا تستطيعان الوقوف لولا ذراعي! وكم أحب أن أنظر إلى مقلتيها السوداوين، وإلى بسماتها السحرية، شاعرا بقلبها يخفق تحت ثوبها الأبيض!
في 6 كانون الثاني سنة 1795
لا أعرف أي حياء يوقف نفسي عن النظر إليها، وهي لا تعرف أيضا معنى ذلك الخجل، ولا تشعر أني أصبحت أتردد عن وضع شفتي على جبينها كما كنت أصنع سابقا، لم أعد أسمح لذراعي أن تطوق عنقها العاجي، ولم أعد أجد من اللائق أن أدعها تنام على جنبي، ولا أن أترك شعورها تتبعثر على جبيني، وكما يردعون الولد الصغير عن اللعب بالنار هكذا أحول رأسي عن رأسها غير مكترث لبكائها أحيانا.
Неизвестная страница