لسبب آخر. كذلك أحضره المنادي إلى هناك. ويخبرنا الجزء الثامن من الأوديسة، أن «الموزية أحبت ديمودوكوس لدرجة الجنون حتى إنها ضربته، فمنحته موهبة الغناء، ولكنها في الوقت ذاته أفقدته بصره»، كان الفياكيون قريبين جدا من الآلهة، حتى إن حب الموزية لذلك المغني، قلما يمكن فهمه، إلا على أنه شبيه بحب أفروديت
Aphrodite
لأنخيسيس. فعندما أحبت تلك الربة ذلك الراعي، فربما كلف هذا الحب فقد بصره .
كذلك أنجبت الموزيات أولادا، ولكنه كان من الخطر على الرجل أن يرى إلها أو ربة وجها لوجه، كما يخبرنا هوميروس نفسه. لم يقدم قرابته إلى الموزية بهذه الصورة. ومع ذلك، فقد صور دائما كمغن أعمى، ولكن عندما جيء بصورته في القرن الخامس، أثارت مسألة لعلماء الآثار. جعل رأس هوميروس، الذي هو أجمل رأس، جعله بعينيه المغمضتين، وليس بعيني رجل أعمى. واقترح أنه من الممكن أن تلك كانت صورة العراف تايريسياس
Teiresias . وتقول إحدى القصص: إن الربة أثينا
Athene
ضربته بالعمى لأنه أبصرها وهي عارية الجسم. ولو أنها أعطته موهبة التنبؤ في الوقت نفسه. والحقيقة أن عمى ديمودوكوس معشوق الموزية، كان من الممكن تصويره بهذه الطريقة، ثم ينقل إلى هوميروس، ذلك النحات، الذي صنع الرأس، أعطى الفن الكلاسيكي ذلك الشاعر الإغريقي الأعظم، ملامح الرؤية الداخلية لحكيم يشتهر باتصاله بالآلهة. ويعبر عنه بواسطة ذلك، بنفس التقدير السامي الخاص به كما سمعنا من أريسطو ولونجينوس.
عندما يتكلم هوميروس في الأوديسة عن أغاني البطولة، ويقدم المغنين، فليس هذا تصويرا للنفس، ولكن ليؤكد الفرق بينه وبين المغنين من شاكلة ديمودوكوس وفيبيوس. فهما يختلفان عنه في طريقة الإلقاء التي كانت إنشادا بمصاحبة قيثارة ضخمة وليست بنوع من الإلهام ولكن بالدرجة والأهمية اللتين كان هوميروس يشعر بهما بتفوقه على غيره. أما في الإلياذة، فلا يظهر أي
aoidos
ولا أي مغن محترف، رغم أنه كان من السهل على الشاعر تعيين مغن للمحاربين مثلما كان أورفيوس يصحب أجاممنون. وقد اتجه أخيل نفسه إلى الأغاني عندما ترك المعركة في مدة غضبه؛ ولذا كان أعظم بطل في الإلياذة هو الذي يتغنى «بمحامد الرجال»، وهذا بالاختصار هو خطة الأغاني البطولية. فيصغي باتروكلوس إلى أخيل دون أن يجرؤ على مقاطعته. وبهذه الطريقة يستمر أخيل يفعل ما بدأه في ساحة القتال. لم يكن كل المقاتلين في طروادة قادرين على أن يحاكموه فيما يفعله، يغني أخيل، فيلائم هوميروس وجهة نظره في الإلياذة. فعل هذا مع تيليماخوس ومع أولوسيس في الأوديسة. فيدل هذا التركيب المكون من المغني والبطل، على سمو تقدير هوميروس للإلياذة كقصيدة. كان هذا من أجله، وليس لمجرد أن يقدم للعالم صورة جديدة من الحرب الطروادية، ولكن كان هذا وسيلة جعلت الأغنية تحل محل العمل وتخلد ذكراه. ويقال نفس الشيء في قصة قيثارة جراسير
Неизвестная страница