قال في الأساس: ولا فرق بين سميع بصير وبين سامع مبصر ومدرك في الرجوع إلى العلم. وبيان ذلك أن السميع حقيقة لغوية مستعملة لمن يصح أن يدرك المسموع بمعنى محله الصماخ،والبصير حقيقة كذلك لمن يصح أن يدرك المبصر بمعنى محله الحدق والله ليس له كذلك فلم يبق إلا أنهما بمعنى عالم وقال تعالى{أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}(الزخرف:80) والسر إضمار في القلب غير صوت قال تعالى{فأسرها يوسف في نفسه}(يوسف:77) وقد عرفت ما حكينا عن جماعة من الفرق بين سميع بصير وبين سامع مبصر،فسميع بصير بمعنى حي لا آفة به يوصف بهما الباري تعالى في الأزل،وسامع مبصر بمعنى مدرك وهي صفة له متجددة بعد وجود المدركات زائدة على كونه تعالى عالما،وعلى الجملة فالخلاف مبني على قاعدة وهي هل الإدراك راجع إلى الجملة أو إلى الحاسة في الشاهد وإلى الذات المخصوصة في الغائب مذهب مخالفينا الأول،ومذهبنا الثاني دليلنا أن الواحد منا يجد بحاسة السمع والبصر مالا يجد للجبهة ولا لسائر الجملة بالضرورة لأن كل عاقل متى علم تعلق حاسته بالمدرك علم كونه مدركا وإن فقد كل أمر يشار إليه مما عدا ذلك،ومتى لم يعلم تعلق حاسته بالمدرك لم يعلم كونه مدركا وإن حصل كل أمر يشار إليه مما عدا ذلك،فلو كان الإدراك أمرا سوى ذلك ما صحت هذه القضية فثبت أن الإدراك أمر يرجع إلى الحاسة لا إلى الجملة كما يدعيه المخالف، وقولهم وهي صفة متجددة يعنون غير محدثة ولا يخفى نبوه عن عرف أهل اللغة العربية إذ لا فرق بين المتجدد والمحدث في كون كل واحد منهما كائنا بعد العدم وفي الحاجة إلى مكون كونهما، ولا فرق بين التكوين والإيجاد والإحداث والتجديد في المعنى.
Страница 66