(244) وأما قولنا " هل الإنسان إنسان " فإنه يكون فيما بين المحمول وبين الموضوع تباين وغيرية بوجه ما - وإلا فليس يصح السؤال - مثل " هل ما يعقل من لفظ الإنسان هو الإنسان الخارج عن النفس " أو " الإنسان الكلي هو الإنسان الجزئي " أو " الإنسان الجزئي يوصف بالإنسان الكلي " أو " الحيوان الذي هو بحال كذا هو حيوان على الإطلاق " أو " الذي أنت تظنه حيوانا هو في الحقيقو حيوان " . فإن كان معنى الإنسان الموضوع هو بعينه معنى الإنسان المحمول بعينه من كل جهاته فلا تصح المسألة عنه بحرف " هل " . وإن قال قائل إن الإنسان الموضوع هو الذي يدل عليه حده، فإنه لا يصح أيضا. لأن الذي يدل عليه القول إن لم يكن علم أنه محمول على الذي يدل عليه الاسم فليس يقال لذلك الذي يدل عليه القول إنه إنسان. فلذلك لا يحمل عليه من حيث هو مسمى إنسانا، إذ كان لم يصح بعد أنه إنسان، بل إن يصح " هل الإنسان حيوان مشاء ذو رجلين أم لا " فليس تصح المسألة عنه على أن المحمول هو أيضا إنسان، وإنما يصح أن المحمول هو أيضا إنسان إذا صح أنه محمول عليه وصح أنه حده. أو أن يقال أن قولنا " هل الإنسان موجود إنسانا " يعني هل الإنسان وجوده وإنيته هي تلك الذات المسؤول عنها وليس له ذات غير تلك الواحدة التي أخذناها موضوعا وهي غير منقسمة الوجود، أم إنه إنسان بوجوه أخر مثل أنه حيوان مشاء ذو رجلين، أي هل له وجود وماهية على ما يدل لفظه عنه فلا يمكن أن يتصور تصورا آخر أزيد منه ولا أنقص. فيكون ما نتصوره إنسانا على مثال ما عليه كثير من الأمور المسؤول عنها في الشيء، يتصور حينا مجملا وحينا مفصلا، ثم لا يكون ممكنا أن يعقل إلا بجهة واحدة فقط. فإنه قد يصح هذا السؤال على هذه الجهة أيضا. وعلى أي معنى ما صح قولنا " هل الإنسان إنسانا " صح فيه أن يطلب السبب في ذلك فيقال " لم الإنسان إنسان " و" بأي سبب الإنسان هو إنسان " و" لماذا الإنسان إنسان " و" عماذا " . ويصح أيضا " لم الإنسان إنسان " إذا عني به لم الإنسان حيوان مشاء ذو رجلين ولم الإنسان ماهيته هذه الماهية. وهذا إنما يصح في الشيء الذي له حدان أحدهما سبب لوجود الآخر فيه، مثل " لم صار كسوف القمر هو انطماس ضوئه " - فإن انطماس ضوء القمر هو الكسوف - فيقال " لأنه يحتجب بالأرض عن الشمس " ؛ فكلاهما ماهية الكسوف، إلا أن احتجابه بالأرض عن الشمس هو السبب في ماهيته الأخرى. وأما فيما عدا ذلك فلا يصح فيه هذا السؤال. وقد كان هذا لا يصلح أن يسأل عنه بحرف " هل " وقد صلح أن يسأل عنه بحرف " لم " .
الفصل الثالث والثلاثون:
حروف السؤال في الصنائع القياسية الأخرى
(245) وأما صناعة الجدل فإنها إنما تستعمل السؤال بحرف " هل " في مكانين. أحدهما يلتمس به السائل أن يتسلم الوضع الذي يختار المجيب وضعه ويتضمن حفظه أو نصرته من غير أن يتحرى في ذلك لا أن يكون صادقا ولا أن يكون كاذبا. فإنه لا يبالي كان ذلك الذي يضعه المجيب ويتضمن حفظه صادقا أو كاذبا، ولإنما يتحرى في ذلك أن يكون موجبا أو سالبا فقط. والمجيب أيضا لا يبالي أيضا كيف كان ما يضعه، فإنه يتضمن حفظه وإن علم أنه كاذب. والموجب الذي يضعه ليس بموجب اضطره إلى اعتقاده والقول به قياس أو برهان، بل موجب أوجبه هو؛ وكذلك السالب هو شيء يسلبه هو عن شيء من غير أن يكون قياس اضطره إلى وضعه أو اعتقاده، بل اختار أن يتضمن حفظه اختيارا فقط. فلذلك تسمى أوضاعا. ويجمع فيه السائل بين جزأي النقيض ويقرن بهما حرف " هل " وحرف الانفصال. والثاني يستعمله بعد ذلك في أن يتسلم به من المجيب مقدمات يستعملها في إبطال الوضع الذي حفظه من غير أن يبالي كيف كانت المقدمات - صادقة أو كاذبة - بعد أن تكون مشهورة أو - إن لم تكن مشهورة - كانت مقدمات يعترف بها المجيب، ويجمع بين المتناقضين ليفوض إلى المجيب النظر فيما يختار تسليمه منها ليكون إذا سلم سلم بعد تأملها هل هي نافعة للسائل أو غير نافعة، ليسلم ما يظن بعد تأملها أنها غير نافعة للسائل في أن يناقض بها المجيب في وضعه.
Страница 78