(240) ولكن قد نجيب في ذلك أن قولنا فيه " هل هو موجود " على المعنى الثاني إنما يعنى به هل هو ذات ما منحازة، أو هل له ذات. فإن الذات قد يقال عليها الموجود، ويقال له إنه موجود. فإنه ليس كل مل يفهم عن لفظة ما وكان ما يعقل منه هو أيضا خارج النفس يمون أيضا له ذات؛ مثل معنى العدم، فإنه معنى مفهوم، وهو خارج النفس كما هو معقول، لكن ليس هو ذاتا ما ولا له ذات. فعلى هذا الوجه يسوغ أن يسأل عنه " هل هو موجود " أي هل هو ذات أو هل له ذات. فإذا قيل " نعم " سئل بعد ذلك " فما وجوده " و" ما ذاته " و" أي ذات هي " . وقد يسوغ فيه أن يسأل عنه بحرف " هل " على المعنى الثاني من جهة أخرى. وهو أن ما هو بالقوة ذات ليس بموجود، فإن الموجود المشهور هو الذي بالفعل، وأ كمل ذلك ما كان على الكمال الأخير. فيقال فيه " هل هو موجود " أي ما نعقله هل هو بالفعل وهل هو على الكمال الأخير من الوجود. فإذا قيل " نعم " قيل بعد ذلك " ما هو " و" كيف هو " و" أيما هو " .
(241) وينبغي أن يعلم أن الذي لا تنقسم ذاته فإنه ينبغي أن يقال فيه أحد أمرين، إما أنه موجود لا يوجد، وإما يقال فيه إن معنى وجوده هو أنه موجود، ويكون لا فرق فيه بين أن يقال " إنه هو وجود " و" إنه موجود " و" إن له وجودا " . فإن وجود ما هو موجود هكذا ليس هو غير الذات التي يقال فيها " إنها موجودة " . وما ينقسم وجوده فإن وجوده الذي هو به موجود غير بوجه ما، على ما يكون جزء الكل غير الكل وجزء الجملة غير الجملة، وعلى أن ذلك الوجود الذي به الشيء موجود وأن له أيضا وجودا - أعني أنه ينقسم وأن له جزءا به وجوده. فإن كان كذلك، فما الذي يقال في جزئه، أليس يقال فيه أيضا " إنه موجود " و" له وجود " ، وهل يقال ذلك فيه على أنه منقسم أيضا. وإن كان ذلك كذلك، ننتهي عند التحليل هكذا إلى جزء وجود شيء ما، ويكون ذلك الجزء موجودا وله وجود، ويكون غير منقسم، وإلا تمادى إلى غير النهاية ولم يحصل علم ماهية شيء أصلا. فإذا كان غير منقسم، فمعنى وجوده وأنه موجود معنى واحد بعينه. أو أن يقال فيه " إنه موجود ولا يوجد " أو " إنه موجود ولا يوجد هو بوجه ما غير ذاته بل موجود يوجد ذاته بعينها " أو " يوجد هو الموجود بعينه " .
(242) وأيضا فإن الموجود على الإطلاق هو الموجود الذي لا يضاف إلى شيء أصلا. والموجود على الإطلاق هو الموجود الذي إنما وجودهبنفسه لا بشيء آخر غيره. فيكون قولنا فيه " هل هو موجود " بهذا المعنى. فعند ذلك يكون المطلوب فيه ضد المطلوب في قولنا " هل الإنسان موجود " . فإن المطلوب بقولنا " هل الإنسان موجود " هل الإنسان له قوام بشيء ما آخر أم لا. والمطلوب ههنا بقولنا " هل هو موجود " هل هو شيء قوامه بذاته لا بشيء غيره، وهل وجوده وجود ليس يحتاج في أن يكون به موجوداإلى شيء آخر هو بوجه ما من الوجوه غير ذاته. أما قولنا " هل هو موجود عقلا " أو " موجود عالما " أو " موجود واحدا " ، فإن معناه هل وجوده الذي به صار قوامه لا بغيره هو أنه عقل أو أنه عالم، وهل ذاته هو أنه عقل. وقولنا " هل هو موجود فاعلا أو سببا لوجود غيره " يعني هل وجوده الذي هو به موجودا أو ماهيته التي تخصه أو له يوجب أن يكون سببا لوجود غيره أو فاعلا لغيره. فإن هذه كلها مطلوبات فيه بحرف " هل " .
(243) وأما سائر معاني " هل هو موجود " - وهي التي أحصيناهافيما تقدم - فإنها قد تسوغ فيه أيضا من أول ما تقع المسألة عنه. إلا أن الجوابات الواردة كلها إنما تكون فيه بحرف لا. والجواب الوارد في هذا الأخير إنما يكون فسه بحرف نعم. وإنما يكون هذا الأخير بعد أن تقدم السؤال عنه بحرف " هل " على المعاني الأول. فإذا أوردت جواباتها كلها بحرف لا، كانت المسائل عنه بحرف " هل هو " على هذه المعاني الأخيرة، فترد الجوابات عنها بحرف نعم. فهذه رسوم معاني السؤال عن الإله بحرف " هل " .
Страница 77