(234) وكل طلب علمي يقرن بحرف " هل " هو طلب سبب الشيء الموضوع الذي عليه يحمل المحمول وما ذلك السبب، أو طلب سبب وجود المحمول الذي يحمل على موضوع ما وما ذلك السبب، فإن حرف " هل " في العلوم فيما علم صدقه ينتظم هذين. وفيما لم يعلم صدقه من القضايا ينتظم الثلاثة كلها. فالجواب الوارد يجب أن ينتظم إعطاء الثلاثة بأسرها فيما لم يكن علم صدفه قبل ذلك، وفيما كان علم صدقه قبل ذلك فينبغي أن ينتظم الأمرين. غير أنه ربما ورد الجواب فيما لم يكن علم صدقه بشيء يعرف به صدقه فقط من غير أن يعطي الأمرين الباقيين، فيبقى للمسألة " هل " التي تطلب بها الباقيان موضع، فإذا أوردالم يبق بعد ذلك لسؤال " هل " موضع أصلا. وهذا العلم هو أقصى ما يعلم به وأ كمل، وليس فوق ذلك علم بالشيء الآخر. والفلسفة إنما تطلب وتعطي هذا العلم في شيء شيء من الموجودات إلى أن تأتي عليها كلها.
(235) وكل صناعة من الصنائع العلمية استعمل فيها السؤال بحرف " هل هو " على المعنى الذي يستعمل في الصنائع العلمية فإنه ينبغي أن يفهم منه طلب تلك الأسباب التي تعطيها تلك الصناعة في الأشياء التي فيها تنظر.
(236) فإن صناعة التعاليم إنما تعطي في كل شيء تنظر فيه من بين الأسباب الماهية التي بها الشيء بالفعل وماذا هو الشيء، وهي التي تطلب بحرف " كيف " في نوع نوع. فإذا قلنا فيهذه الصناعة " هل الشيء موجود " فإنما نطلب به بعد صدقه وجوده الذي هو به موجود بالفعل، وهو ماهيته المأخوذة من جهة الصورة من بين ما به قوام ذلك الشيء المسؤول عنه. وكذلك إذا قلنا " هل الشيء موجود حيوانا " فإنما نعني هل وجوده الذي هو به موجود بالفعل يوجب أن يكون كذا، فإذا قيل " نعم " قيل بعد ذلك " وما هو " و" كيف هو موجود ذلك الموجود " ، فيرد الجواب حينئذ بتلك الماهية المطلوبة. وهذه في التعاليم خاصة.
(237) وأما في العلم الطبيعي فإنه إذا كان يعطي من جهة الطبيعة والأشياء الطبيعية كل ما به قوام الشيء، الخارج منها - الفاعل والغاية - والذي هو في الشيء نفسه، كان عن كل ما يسأل عنه بحرف " هل هو موجود " أو " هل هو موجود كذا " إنما يطلب فيه كل شيء كان به وجود ذلك الشيء من فاعل أو مادة أو صورة أو غاية. فإن كل واحد من هذه توجد في ماهو الشيء وتستبين في ماهو الشيء ، ويكون ماهو الشيء موجودا من أحد هذه أو من اثنين منها أو ثلاثة منها أو من جميعها. وكذلك في العلم المدني.
(238) وأما في العلم الإلهي فإنه إذا كان يعطي من جهة الإله والأشياء الإلهية من الأسباب التي بها قوام الشيء الفاعل، والماهية التي بها الشيء بالفعل والغاية صارت المطلوبات بحرف " هل " عن ما يوجد الموضوع فيه الإله أو شيئا ما إلهيا هي التي بها قوام المحمول من جهة الشيء الذي أخذ موضوعا. فيقال " هل هو موجود أو لا " . فإذا قيل " نعم " قيل " وما هو " أو " كيف هو " أو " بماذا هو " وصار المطلوب عما يوجد المحمول فيه الإله أو شيئا ما إلهيا، وهو الذي صح به قوام الموضوع من قبل المحمولات. فإذا قيل " نعم " طلب " ما هو " أو " كيف هو " أو " أيما هو " ، فيرد الجواب فيه بأحد الثلاثة، أو جواب ينتظم جميعها.
(239) وقد يسأل سائل عن معنى قولنا " هل الإله موجود " ، ما الذي نعني به. هل نعني به هل ما نعتقد فيه أو نعقل منه في النفس هو بعينه خارج النفس.وهل إذا علم أن معقوله في النفس هو بعينه خارج النفس يسوغ أن يسأل عنه " هل هو موجود " على المعنى الثاني. فإن ذلك المعنى من معاني هذا السؤال هل الشيء له قوام بشيء وهل الشيء له وجود به قوامه وهو فيه. فإن هذا إنما كان يسوغ فيما تنقسم ماهية وجوده وذاته وفي ما له سبب به قوامه بوجه من الوجوه. والإله يجتمع فيه أنه لا قوام له بشيء آخر أصلا ولا سبب لوجوده، وأن ذاته غير منقسمة ولا بوجه من وجوه الانقسام. فإذن ليس يسوغ أن يسأل عنه بحرف " هل " على المعنى الثاني.
Страница 76