(229) وقد يقال في ما علم فيه أن ما يفهم عن لفظه هو بعينه خارج النفس " هل هو موجود أم لا " . فإذا طلب فيما علم أنه موجود بالمعنى الأول " هل هو موجود أم لا " فإنما نعني بهذا الطلب هل لذلك الشيء ما به قوامه وهو فيه. فإن وجود الشيء بعد أن يعلم أن ما يعقل منه بالنفس هو بعينه خارج النفس إنما نعني به الشيء الذي به قوامه وهو فيه. فإذا أجيب وقيل " نعم " ، قيل بعد ذلك " ما وجوده " و" ماهو " - يعنى به ما الذي به قوام ذلك الشيء - فيكون الجواب حينئذ بما يدل عليه حده لا غير. فحينئذ ننتهي بهذا الطلب فلا يبقى بعد ذلك شيء يطلب فيه. فيتبين أن الذي به قوامه هو أحد أسباب وجوده. ومعلوم أن قولنا " هل الشيء موجود " على الوجه الثاني إنما نعني به هل له سبب به قوامه في ذاته. فإذا صح ذلك قيل فيه بعد ذلك " ما ذلك السبب " ، فتكون قوة هذا السؤال قوة لم هو موجود.
(230) وقد نقول " هل كل مثلث موجود زواياه مساوية لقائمتين " و" هل كل إنسان موجود حيوانا " . على أن ما نعني بالموجود ههنا كلمة وجودية يرتبط بهذا المحمول بالموضوع حتى يصير القول قضية حملية، ونعني به هل هذه القضية صادقة وهل ما تركب منها في النفس هو على ما هو عليه خارج النفس. وقد يعني قولنا " هل كذا موجود " كذا هل وجوده أنه كذا، ونحن نعني هل كذا قوامه أو ماهيته أنه كذا، كقولنا " هل كل إنسان موجود حيوانا " أي هل كلإنسان قوامه وماهيته أنه حيوان، وهذا هو هل كل إنسان سبب وجوده أن يوصف أنه حيوان بحال كذا. فإذاقيل " نعم " وصحح ذلك يتبين بذلك أنه قوام الإنسان وسبب وجوده. فيكون قد تبين لم هو موجود إما بجميع أسباب وجوده أو بواحد منها.
(231) وقد نقول " هل كذا موجود كذا " ونحن نعني هل كذا وجوده يوجب أن يوصف هكذا وأنه كذا ونعني هل كذا ماهيته توجب أنه كذا أو أنه يوصف بكذا، فيكون سبب الذي به قوام كذا هو أيضا السبب في أن يوصف أنه كذا - كقولنا " هل كل مثلث هو موجود زواياه مساوية لقائمتين " قد نعني به هل كل مثلث ماهيته توجب أن تكون زواياه مساوية لقائمتين أو هل الذي به قوام كل مثلث هو السبب أيضا في أن تكون زواياه مساوية لقائمتين. فإذا قيل " نعم " وصحح أنه كذلك يكون قد تبين السبب في أن زواياه مساوية لقائمتين وأن ذلك السبب هو السبب أيضا في قوام المثلث.
(232) فهذه كلها سؤالات ثلاثة. فإن المطلوبات البرهانية التي هي في الحقيقة برهانية هي هذه. فهذان سؤالان عن القضية قد يكونان في قضية قد علم صدقها. فإن القضية قد تكون صادقة، ويعلم أن كذا هو كذا، ولكن لا يعلم هل الموضوع ماهيته أنه كذا، ولا أن الموضوع وجوده يوجب أن يوصف بمحمول ما - كان ذلك المحمول ماهية ذلك الموضوع أو جزء ماهيته أو شيئا به قوام ذلك الموضوع - ؛ ولا أيضا تكون ماهية ذلك الموضوع أو جزء ماهيته أو شيء به قوام ذلك الموضوع يوجب أن يوصف بكذا. فإن قولنا " الإنسان أبيض " صادق، وليس الأبيض ماهية الإنسان ولا جزء ماهيته، ولا ماهية الإنسان توجب أن يكون أبيض، فلذلك يحتاج إلى هذا الطلب. وقد يكون ذلك فيمالم يعلم صدقه، فيكون السؤال ب " هل هو " ينتظم حينئذ هذين جميعا، فيكون سؤالا برهانيا. وأما إذا كان سؤالا عن الصدق أيضا، فذلك هو سؤال يشتمل على البرهان وعلى غير البرهان.
(233) وقد يقول القائل: إذا كان معنى " موجود " إنما يعنى به أحد هذين فكيف يصح أن يقال " الإنسان موجود أبيض " فيكون صادقا. فالجواب أن الشيء قد يكون موجوداكذا بالعرض وقد يكون موجودا كذا بالذات. فالإنسان موجود حيوانا بالذات لأن وجوده وماهيته أنه حيوان، والمثلث موجود أن زواياه مساوية لقائمتين بالذات لأن وجوده وما هيته توجب أن زواياه مساوية لقائمتين. وهذان هما معنيا وجود الشيء بالذات وشريطتا كل مطلوب علمي.
Страница 75