(225) فهذه هي السؤالات الفلسفية، وهذه حروفها، وهي التي تطلب بهاالمطلوبات الفلسفية، وهي " هل هو " و" لماذا هو " و" ماذا هو " و" بماذا هو " و" عن ماذا هو " . و" هل " و" لماذا " و" بماذا " و" عن ماذا " قد تقرن بالمفردات وبالمركبات. وأما " ماذا هو " فلا تقرن إلا بالمفردات فقط.
الفصل الثاني والثلاثون:
حروف السؤال في العلوم
(226) وينبغي أن يعلم أن سبب وجود الشيء غير سبب علمنا نحن بوجوده. وكل برهان فهو سبب لعلمنا بوجود شيء ما. ولا يمتنع أن توجد في البرهان أمور تكون سببا لوجود ذلك الشيء أيضا، فيجتمع فب ذلك البرهان أن يكون سببا لعلمنا بوجود الشيء وسببا مع ذلك لوجود ذلك الشيء. ومتى لم يوجد فيه أمر هو سبب لوجود الشيء كان البرهان هو سبب لعلمنا بالوجود فقط. ولما كان البرهان من ثلاثة حدود أحدها الأوسط والآخران هما جزءاالنتيجة، والحد الأوسط هو بالبرهان من سائر أجزائه وهو أولا السبب ثم البرهان بأسره، ففي البرهان الذي يجتمع فيه الأمران يكون الأمر الذي يوجد فيه حد أوسط هو سبب وجود الشيء الذي يبرهن، وانضيافه وائتلافه مع سائر أجزاء القياس هو السبب في لزوم حصول الشيء في أذهاننا معلوما أو مظنونا.
(227) والجواب عن " لم هو الشيء " هو بأن يذكر السبب. والحرف الدال على الشيء المقرون به سبب الشيء المسؤول عنه هو حرف لأن وما يقام مقامه في سائر الألسنة. فيكون الجواب عن حرف " لم " هو حرف لأن. والبرهان كما قلنا هو سبب لعلمنا بوجود الشيء واعتقادنا وقولنا بوجوده. فلذلك متى سئلنا " لم كذا هو كذا " أمكن أن يكون سؤالا عن السبب الذي به علمنا أو اعتقدنا أو قلنا إنه كذا. فلذلك قد يقرن حرف لأن بالبرهان بأسره، إذ كان البرهان بأسره سبب ذلك، ونقرنه بالمقدمة الصغرى التي محمولها الحد الأوسط. وهذا هو السبب الذي نستعمله أكثر ذلك، كقولنا " لم نقول إن هذا المطروح هو بعد في الحياة " فإنا نقول " لأنه يتنفس " ، فقولنا " يتنفس " هو سبب لقولنا وعلمنا أنه يعيش، وليس هو السبب في أن يعيش. والخالفة التي جعلت مع حرف لأن إنما نعني بها الحد الآخر الذي هو الإنسان المطروح. وإذا قلنا " لأنه يتنفس وكل من يتنفس فهو في الحياة " نكون قد أجبنا بالبرهان بأسره، وكان الحمل، ولم يبق في لزوم ما لزم موضع مسألة. فإنه إذا اقتصر على قوله " أنه يتنفس " أمكن أن يكون فيه موضع مسألة عن صحة اللزوم بأن يقال " لم إذا كان يتنفس فهو في الحياة " ، فإذا أجبنا بأن " كل من يتنفس فهو بعد في الحياة " فلا يبقى موضع مسألة عن صحة لزوم ما لزم. فإن سأل بعد ذلك " لم صار - أو لم قلت - كل من يتنفس فهو بعد في الحياة " فليس يسأل عن صحة لزوم ما يلزم عن المقدمتين وإنما يسأل عن صحة هذا المقدمة وصدقها، ولزوم ما يلزم صحيح وإن كانت هذه المقدمة غير معلومة. واستعمال حرف " لم " في السؤال عن سبب علمنا بالشيء واعتقادنا له أو قولنا به هو بنحو متأخر، فاستعمالنا له في السؤال عن سبب وجود الشيء هو بالنحو متقدم.
(228) وحرف " هل " يستعمل في العلوم في عدة أمكنة. أحدها مقرونا بمفرد يطلب وجوده، كقولنا " هل الخلاء موجود " و" هل الطبيعة موجودة " . فإن كل واحد من هذه وأشباهها هو في الحقيقة مركب، وهو قضية. فإن الموجود محمول في الذي يطلب وجوده، وهو الموضوع الذي يقال فيه " هل موجود " - ويعنى بالموجود ههنا مطابقة ما يتصور بالذهن عن لفظه لشيء خارج النفس. فمعنى السؤال هل ما في النفس من المفهوم عن لفظه هو خارج النفس أم لا، وهذا هو هل ما في النفس منه صادق أم لا - فإن معنى الصدق أن يكون ما يتصور في النفس هو بعينه خارج النفس - فمعنى الوجود والصدق ههنا واحد بعينه.
Страница 74