ذهبت بشاشته واصبحَ ذكره ... حزنًا يعلُّ الفؤادُ وينهلُ
قال أبو عثمان التيمي: فلم يكن بين ذلك وبين الحادثة على بني أمية إلا أقل من شهر.
١١٨ - ووجدتن بخط محمد بن سعد قال: كان الحزار يقول: من أعجب أحاديث مروان بن محمد رواه المدائني قال: لما حاصر مروان تجمر فظفر بها وهدم سورها، أفضى إلى جرن طويل، فلم يشك مروان والحاضرون أن تحت كنزًا، فنبشوه، وإذا امرأة مسجاة عظيمة الخل على قفاها، فوق سرير من حجارة، عليها سبعون حلة منسوجة بالذهب جرباناتها، ووجد لها غدائر من رأسها إلى رجليها، فذرع قدمها فكانت كعظم الذراع، وكان طولها سبعة أذرع، وغذ عند رأسها صفيحة من نحاس مكتوب عليها بالحميرية، فطلب من يقرؤه، فإذا فيه: "أنا تجمر بنت حسان بن أذينة بن السميدع بن هرمزة العماليقي، من دخل على بيتي هذا فأزعجني منه حتى يراني أدخل الله عليه المهانة والذل والصغار! ". فلما قرء الكتاب على مروان عظم عليه، وندم على ما كان منه، وتطير بذلك، وجعل يسترجع، ثم أمر بطبق الجرن، وأن يرد إلى موضعه، وما كان ذلك بين الظفر به وزوال الملك عنه وقتله واستباحة حريمه وحرمه إلا شهور!
١١٩ - ولما آمن المنصور ابن هبيرة حضر عنده وأقام في معسكره، فقال يومًا للمنصور وهو يحاوره: "إيها لله أنت! " ثم قال: أستغفر الله، فرب العهد والله بالإمارة أنساني ما صرت إليهن وكانت هذه كلمته يقولها كثيرًا، فغلط فخاطب بها المنصور، ثم استرجع.
١٢٠ - ودخل عيى بن عل على أبي العباس السفاح ف علته التي توفي فيها فقال له: يا أمير المؤمنين قد اصبح وجهك مسفرًا ومنتك قوية! فقال: لا تقل هذا فإني أصبحت وقد استشعرت الموت، وما أراني أعيش بعد يومي هذا إلا أربع ليال، فقال: أعيذك بالله! قال: هو والله ما قلت لك، قال: وما السبب في ذلك؟ قال: لأني رأيت البارحة في منامي كان آتيًا فقال انزع عنك ثيابك فإن المرض قد دنها، قلت: فإن المريض يلبس الثياب الدنسة، قال: لم أرد الثياب إنما أردت الخلافة! قال فهتف به هاتف سمعت صوته ولم أره فقال: لا تعجل، اتركها عليه أربعًا ثم خذه بنزعها، فقال: أربع ماذا؟ فقال: أربع ليال، قال له: فإلي من أدفعها، قال: إلى عبد الله الطويل، فإنه قد استحق لبسها، قال عيسى: فجزعت من قوله، وذهبت لأشجع نفسي وأقوي قلبه، فقال لي: اله عن هذا فقد استيقنت أني لا أعيش أكثر من هذه المدة! وجدد البيعة لأخيه، ومات بعد أربع ليال.
١٢١ - وحدث أبو محمد بن عبد اله بن الحسن عن أبي خثيمة قال: نظر أبو العباس السفاح يومًا وجهه في المرآة، وكانت له وفرة تبلغ شحمة أذنه، وكمان من أحمد الناس وجهًا، فأعجب بنفسه وقال: الله عمرني في طاعتك طويلًا ممتعًا بالعافية، فسمع غلامًا يخاطب آخر في شي كان بينهما فقال له: ميعادك إلى شهرين، وهو آخر ما بيني وبينك! فتطير السفاح من ذلك وجزع جزعًا شديدًا وقال: اللهم إنه لا حول ولا قوة لي إلا بك! فيقال إنه لم تمض عليه أيام حتى مرض، وكان موته بعد شهرين من نظره في المرآة.
١٢٢ - ووجد بخط إسحق بن سعيد قال: حدثنا عمر بن شبه قال: لما فرغ السفاح من بناء مدينته بالأنبار، وذلك في ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائة قال لأبي محمد عبد الله بن حسن بن حسن: يا أبا محمد ألا تحب أن ترىمدينتنا هذه؟ ثم أخذ بيده يماشيه ويطوف معه فيها، فلما توسطها أنشد عبد الله بن حسن متمثلًا:
بيننا يوسّع في الدنيا مدينتَه ... قاسوا له جدثًا ضنكًا بمقياس
فأنكر ذلك أبو العبا، وتطير من إنشاده وتغير له وجهه، وعرف عبد الله خطأه فجعل يتنصل إليه ويحلف أنه ما تعمد ذلك، ولكنه رمي به على لسانه، فقبل ذلك منه قبول كاره جزعٍ.
١٢٣ - وقال المنصور: صحبت رجلًا ضريرًا إلى الشام وهو يريد مروان بن محمد بشعر مدحه به، فسألته أن ينشدنيه فأنشد:
ليتَ شعري أفاحَ رائحةُ الطِّي ... بِ وما إنْ إخال بالخيف إنْسي
حين غابت بنو أميةَ عنهُ ... والبهاليلُ من بني عبدِ شمسِ
خطبهُ على المنابر فرسا ... نٌ عليها وقالةٌ غيرُ خرسِ
لا يعابونَ صامتينَ وإن قا ... لوا أصابوا ولم يعابوا بلبسِ
بحلومٍ إذا الحلوم ستخفت ... ووجوه مثل الدنانير ملسِ
1 / 26