قال: فحملتها إلى الطحان وقالت اطحن لي هذه وخذ نصفها وأعطني نصفها.
فقال: ويلك أيتهيأ أن تمضي الفأرة إلى الطحان وتخاطبه بلسان صهصلق وكلام ذلق، هذا محال، وهذا محال!.
وصاح ونفض كمهن فانطفأت الشمعة، وضحكت مما اتفق لهما.
قال أبو سعد: فضحكت الجماعة ضحكًا شديدًا، وقام من بينهم غلام فخرج، فلما خرج قيل لي: أي شيء قد علمت! فقلت: ما الخير! فقالوا: هذا الخارج ولد الذي حكيت عنه، وقد تغير وجهه وخبثت نفسه وانصرف على ما شاهدت من أمره، قلت: ما علمت ووجب عليكم أن تعلموني حيث بدأت بحديث أبيه! واستحييت مما اتفق!.
٦٧ - قال: وكانت لابن الناط هذا حكايات: فمنها أنه خرج يومًا فرأى على بابه سنورًا ميتة، فقال لها: ها على بابي سنور ميتة! فقالت له جارية في داره: يا سيدي هذه سنور حوراء جارتنا، فقال: ومن هي حوراء البظراء! يجب أن نفذ إلى سيدنا السديد يعني صاحبه الذي كان يكتب له ويحضر منها نقيبان جلدان يأخذان هذه السنور من ها هنا ويطرحانها ها هنا، ويعني على باب حوراء صاحبتها.
٦٨ - وحدثني وقال: قضى الرؤساء لأحد شعراء زماننا حاجة فجاء ليشكره (على صنيعه فقال):
لا خيلَ عندكَ تعطيها ولا مالُ ... فليحسنِ القولُ إنْ لم تحسنِ الحالُ
فقال له حاجب الرجل: يا هذا ليس ما قلت بمدح ولا خارج مخرج شكر! فقال: سهوت وغلطت، فانصرف خزيان.
٦٩ - وجرى بين شهرام المروزي وبين أبي مسلم صاحب الدولة كلام، فال له شهرام: يا لقيط، فصمت الو مسلم وتنبه شهرام على هفوته، فاعتذر وخضع، فقال له أبو مسلم: لسان سبق ووهم أخطأ وبادرة غضب، والغضب من الشيطان، وأنا جرأتك بطول احتمالي لك، فإن كنت للذنب معتمدًا كنت لك شركًا، وإن كنت مخطئًا فالعذر يسعك، وقد شمل عفوي الحالين! فقال له شهرام: أيها الأمير عفو مثلك لا يكون غرورًا، قال له أبو مسلم: أجل، قال شهرام: فإن عظم ذنبي لا يدع قلبي يسكن! فقال أبو مسلم: سبحان الله العظيم، ومن أحسن إليك مع إساءتك لا يسيء إليك مع إحسانك!
٧٠ - وكان عامر بن مصعب يومًا ينظر إلى ابنه وهو يخطب، وقد استحسن الناس كمه، فأقبل على قوم جلوس، وقال لهم: هذا بني ومن هذا خرج، وأومأ إلى ذكره، فتضاحك القوم به، وعرف زلته وانصرف.
٧١ - واجتاز بعض العوام وهو سكران بجماعة قعود، فجلس وأنشد وأومأ إليهم:
اضرطْ عليهمْ فكلهمْ سفلُ ... شبابهمْ والشيوخُ والكهلُ
وضحك ضحكًا مفرطًا، وانصرف، فقال رئيس كان من الجماعة لم يعننا هذا السكران بقوله، دفعًا لذلك عنهم، فقال له أحدهم: الله الله يا سيدنا، أنت سيد الجماعة ومتقدمها، وما على غيرك ولا أراد سواك! فقال له: أحسنت يا سخين العين! وضحكت الجماعة منه.
٧٢ - قال مؤلفه: وحدثني والدي ﵀ عليه قال: كنت عند أبي الحسن محمد بن عمر العلوي رحمه لله وقد دخل إليه بعض معامله شاكيًا من بعض العمال، فقال له: يا سيدنا قد جرى علينا كذا وكذا من الامتهان والحرف، والاستخفاف والخف وأشرفنا على الانصراف من هذا الموضع والانجلاء عنه، فقال: يا هذا ولم ذاك؟ ولأي سبب؟ فأراد أن يقول له: قصدًا لك وقبحًا معك، فقال: والله العظيم ما امتهنا ولا صفعنا إلا على رأسك! فقال: أخرجوه قبحه الله تعالى! فلما أخرج تبين قوله وطارت روحه!
٧٣ - وحدثني أبو سعد محمد بن علي المانداي قال: كنت عند أبي الغنائم ابن القنائي جالسًا فحضر بعض المعاملين وشكا من بعض الناس، فقال له ومستهزئًا به: ولم صبرت منه على هذات الفعل وكان يجب أن تشيل قفاك فتصفع يده ولا تفكر فيه ولا تحتشمه، فقال: هذا يفعله سيد مثلك فأما أنا فلا أقدم على مثله! فامتقع لون ابن القنائي حيا من الحاضرين.
٧٤ - وحدثني قال: كان مع بعض القصاص رجل شيخ يعرف بعبدان، يحضر حلقته ويستحسن كلامه ويزهره ألفاظه، ويعطيه ثلاثة أرطال خبزًا جزاء فعله، وربما نام تحت الكرسي بشيخوخته وتخرج منه رياح تبلغ إلى أنف القصاص، فقال له يومًا: يا عبدان! قال: شافي والله العظيم، فقال له: دعني من هذا، هو ذا تنام وتؤذيني بفساك! فقال له أنا يا سيدي!! الله الله، هؤلاء الروافض يفسون حول الحلقة ويقولون: هذا في لحية الشيخ، قصدًا لك وقبحًا لك، فقال له: يا عبدان أمسك، فعذرك أشد علي من فعلك، فضحك الناس منهما، وانحل المجلس وانفل جمعه ذلك اليوم.
1 / 14