يا لها من ترجمة مهذبة ل «لا تليق بهن»، وتمادى من شدة يأسه فسألها: ألا يمكن أن يتزوج إنسان في مثل سني؟ - لم لا؟ توجد عروس مناسبة لكل سن! - شكرا ومعذرة عن مضايقتك. - أرجو أن أوفق لخدمتك ..
وعند ذهابها استشاط غضبا. تصور أنها كان يجب أن ترحب به لنفسها أو لإحدى القريبات أو الصديقات. إذن قد صار كهنة مثل فضلات المخازن التي يعرضها للبيع عند الجرد السنوي. والظاهر أنه لن يكون أسعد حظا في مسألة الزواج. ولو نال أمله المنشود وحلم العمر في حجرة صاحب السعادة. ها هو الزمن يلهبه بسياطه على حين أنه لم يعد يقوى على العدو. وبمرور كل يوم اشتد تسلط فكرة الزواج عليه حتى كادت تزاحم هوس الدرجة. ولم ترجع إليه إحسان بجواب. ومن جنونه راح يحاول مغازلة النسوان في الطرقات والباصات بلا خبرة وبلا نجاح حتى اضطر إلى الكف عن ذلك وهو يقول متأوها: ما أضيع العمر!
وتساءل بامتعاض عما يجعل زواجه متعسرا بهذه الصورة حتى بعد أن نزل عن شروطه المعوقة الأولى. السن بلا شك مثبطة ولكنها ليست كل شيء. إنهم يتحرون عنه وسرعان ما يعرفون كل شيء عن أصله وفصله، هذه هي الحقيقة الأخرى المخزية. إنه في الحقيقة كهل ذو منبت حقير، والله أعلم بما يقال عنه بالإضافة إلى ذلك، فإن رجلا متفوقا مثله خليق بإثارة عواطف الحسد في النفوس، وطالما شعر بأنه بلا صديق حقيقي في هذه الدنيا، وبأنه وحيد متعال عن الضعف البشري!
وحمله الليل - كالعادة الرتيبة - إلى الحجرة العارية، إلى قدرية. وقال لنفسه بمرارة ما أجمل أن يكون نصيبي من الدنيا درجة وكيل إدارة وبغيا نصف زنجية! وكانت تقول له ضاحكة: لأول مرة تشرب قدحين من النبيذ، هل قامت القيامة؟
أما القيامة فقد قامت وها هو يشعر بدوار غريب في رأسه. قال لها بلا مناسبة: اعلمي يا قدرية أني رجل مؤمن.
فلفت شعرها الخشن بمنديل أحمر وقالت: الحمد لله .. - ولولا إيماني بأن الدنيا مقدسة بما هي من صنع الله لرضيت بحياة البهائم ..
فنظرت إليه نظرة بلهاء وقالت: قرروا إلغاءنا عليهم اللعنة ..
فواصل بلا انتباه إلى قولها: والله سبحانه ...
فقاطعته: قرروا إلغاءنا .. - أفندم؟ - ألم يبلغك ما يقال عن إلغاء البغاء؟
كلا. إنه لا يقرأ في الصحف إلا الوفيات وشئون الدولة والدواوين. فتساءل بانزعاج: حقا؟ - نبهوا علينا بالفعل. - خبر غريب .. - وعدونا بعمل لمن تريد عملا، أي عمل؟ عليهم لعنات الدنيا والآخرة، هل أصلحوا كل شيء فلم يبق إلا نحن؟! - لعله كلام، ما أكثر الكلام في هذا البلد .. - يا سيدنا لقد أبلغنا رسميا بالأمر ..
Неизвестная страница