فقال له صراحة: إنه اليأس من الحياة الفاضلة .. - لا .. لا، إنه قريب الوزير! - إني أحسد الموظفين الكسالى. - أكرر الأسف، وأخبرك بأن سعادة وكيل الوزارة آسف أيضا ..
وتمهل دقيقة ثم قال: لا تيأس، فالرأي متفق على ترقيتك وكيلا أول عقب نقل شاغلها مباشرة في هذا الشهر ..
لا فائدة. الدرجات لا تهمه إلا باعتبارها وسيلة لأمله المنشود الذي كرس له العمر. والمدير الجديد في الأربعين من عمره. شاب أو أكثر من ذلك بقليل. وإذا سارت الأمور سيرها الطبيعي فسوف يحال على المعاش وهو وكيل للإدارة أو وهو مديرها على الأكثر إذا وقعت معجزة. تبدد حلم الحياة وبات مستحيلا. ومات الماضي بعد أن تمخض عن وهم أسود. ولعله كان خيرا له لو أقام حياته كأبيه فوق الكارو. ولأول مرة في حياته يدهمه اليأس، فقد بدت نهاية العمر أقرب كثيرا من جوهرة الأمل. وفكرة جديدة تسلطت عليه بقوة قاهرة لم يعهدها من قبل هي الزواج. لا يجوز تأجيلها بعد اليوم ولا فائدة ترجى من تأجيلها. وبحسبه أن ضاعت أطيب فترات العمر الصالحة للحب والزواج. ما أشد حاجته إلى شريكة، إلى عاطفة صادقة، إلى مشاركة أمينة، إلى دفء البيت، إلى الذرية، إلى علاقة إنسانية، إلى قلب ويد ولسان، إلى ملجأ من العذاب، إلى درع ضد الموت، إلى منقذ من الضياع، إلى محراب مناسب للإيمان، إلى محطة راحة من الأحلام الخرقاء، إلى هدنة مع الحرص والحرمان والوحشة. - المرأة هي الحياة، الموت نفسه يكلل بجلاله الحق بين يديها ..
ولن يلجأ إلى أم زينب، ولا فائدة ترجى اليوم من أم حسني بعد أن أقعدها العجز، ولكن ثمة فتاة جديدة في الإدارة تدعى إحسان إبراهيم، لم يتردد في إظهار تودده إليها. ذلك أنه يريد أن يتزوج اليوم إن أمكن. وكلما بات ليلة وحيدا اشتد جزعه. كأن الرغبة في الزواج كانت تبدو في داخله وهو لا يدري حتى انفجرت كبركان. ولم تفهم إحسان تودده على الوجه الصحيح، ولعلها استبعدت أن يغازلها رجل في سنه! وما حيلته ولم يعد يوجد حب كأيام سيدة وأنسية، ولا رغبة جامحة كأيام سنية وأصيلة.
وانتهز فرصة وجودها - إحسان - يوما في حجرته لعمل فسألها: تسمحين لي بسؤال غريب بعض الشيء يا آنسة إحسان؟ - طبعا يا سعادة البك.
فتردد قليلا ثم سأل: أأنت مخطوبة؟
تورد وجهها ورمقته لأول مرة بنظرة أنثى لا موظفة وأجابت: نعم يا سيدي.
شعر بخيبة أمل ولكنه قال: معذرة فإني لم أر خاتما في إصبعك. - أعني في حكم المخطوبة.
تفكر مليا ثم قال: لدي رجاء ولكن يجب أن يبقى سرا بيننا؟ - أفندم؟ - هل أطمع في أن تدليني على عروس؟
فتفكرت في ارتباك ثم قالت في حذر: جميع من أعرف من قريبات وصديقات يقاربنني في السن فهن لا يلقن بك!
Неизвестная страница