ومضت ثوان من الصمت ثم واصلت: ولكن لي عليك عتاب. - لا سمح الله. - تركتك آخر مرة غاضبا، ألا تذكر؟ - آسف، لم يوجد سبب للغضب. - أتعتقد ذلك؟ - نعم. - ولكنك لم تسأل عني؟ - آسف، لم أعرف رقم تليفونك. - ولكني عرفت رقم تليفونك. - أكرر الأسف. - تمنيت أن تلطف الموقف بكلمة حلوة .. - إني على أتم الاستعداد. - حقا؟ - بكل توكيد. - كيف؟ - لنتفق على ذلك!
وهي تضحك ضحكة مكتومة: أوما زلت تشكو الفقر؟ - إنه قدر لا مفر منه. - من حسن حظنا أن عندي من المال الكفاية. - ربنا يزيدك. - هل تتوقع أن أصارحك أكثر من ذلك؟ - إني على أتم الاستعداد! - عظيم .. ليقم كل منا بما يخصه!
ما هو بالاستسلام ولكنه الانهيار. يستطيع أن يتخيل الواقع وراءه. العمر بها يتوسط ويميل نحو المنحدر، وهي تعاني الوحدة وترتعد أمام الشيخوخة المقبلة، لا شباب ولا جمال حقيقي. ثمة معركة لم يشهدها ولكنه يرى عواقبها المحزنة. ماذا يفعل؟ إنه يخاف أنسية ولا رغبة له حقيقية في أصيلة، يتمنى في لحظات يائسة لو يموت قلبه وتخمد شهوته لتطمئن نفسه في مسيرتها المضنية. وقال لنفسه في أسى: إني أعذر من يظنون بي الجنون!
26
متى وكيف يفرغ للبحث عن شقة وتأثيثها؟ ترك الأيام تمر وهو لا يفعل شيئا. أهمل الموضوع جملة وتفصيلا حتى وجدها - أصيلة - تقف أمام مكتبه! ابتسم مرحبا وهو يلعنها في باطنه. قالت: معذرة عن جرأتي ..
فابتسم صامتا. فقالت: لم يعد التليفون يكفي كي أفهمك ..
فقال بجدية تناسب مكان العمل: واضح أن الفراغ معدوم في هذه الأيام. - ماذا فعلت؟ - لا شيء. - أبدا؟ - لم يسمح العمل بدقيقة، صدقيني ..
كانت تتكلم بجرأة أشبه باليأس، حال من نفد صبره واشتدت مخاوفه. قالت: توقعت أن أجدك أكثر حماسة .. - الرغبة متوفرة أما الوقت فلا وقت عندي. - توجد شقة في روض الفرج ..
ومدت يدها بورقة مطوية واستطردت: إليك العنوان، عاينها بنفسك واشرع في تأثيثها.
ثم بنبرة إغراء وابتهال: أرجو أن تعجبك وأن تكون قدم السعد ..
Неизвестная страница